ملتقي اهل اللغه (صفحة 4137)

تنزيها لمفردات القرآن عن الدلالات المستحدثة ...

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[29 - 11 - 2009, 10:31 م]ـ

تنزيها لمفردات القرآن عن الدلالات المستحدثة ...

مقدمة:

تتعرض الكلمة، في أي نسق لغوي أو ثقافي، لآلية نسميها –مؤقتا- "آلية الشحن والإفراغ" ومعناها أن الكلمة في اللغة يصيبها بلاء الاستعمال، وإنها، مثل المتكلم، ليتحدان معا تحت قدر واحد، عبر عنه العجاج بقوله:

والمَرْءُ يُبْلِيهِ بَلاءَ السِّرْبالْ

كرُّ الليالي واخْتِلافُ الأَحْوالْ ..

يبلى السربال، فتصر العين على أن تنتزع من تفاصيله صورة السربال الذي "كان" فترجع خاسئة!

وكذلك الكلمة ينهكها "الشحن" و"الإفراغ"،حتى إنك قد لا تجد بين حمولتها الدلالية الحاضرة وحمولتها البادية صلة من الصلات .. فيصدق على دلالة الكلمة ما يصدق على أديم الأرض في قول" شيخ المعرة":

رب لحدٍ قد صار لحداً مراراً ... ضاحكاً من تزاحم الأضداد

ودفين على بقايا دفينٍ ......... في طويل الأزمان والآباد

لكن هذا التطور-أو التدهور- سنة عامة لا محيد عنها:

تبدأ الآفة أول ما تبدأ بتحريف طفيف في مخرج صوت، فيستفحل التحريف حتى يخرج الصوت عن طبعه ثم تسري العلة إلى المعجم، فإذا اللغة تشهد ترادفا عجيبا بين ألفاظ كانت من قبل متباينة، أو اختلاق اشتراك لفظي بين كلمات كانت بالأمس على اختلاف: (أمَر) و (قمر) .. باتت من المشترك اللفظي، و (ألْب) أضحت ملتبسة تحتاج إلى ما يرفع عنها الالتباس لنعرف مقصود المتكلم أهو يريد (كلبا) أم (قلبا)!!

ثم يتزلزل النظام التركيبي كله ... فإذا بالتحريفات المتراكمة قد أنشأت "لهجات" .. وإذا اللهجات استوت" لغات "-تحت تأثير دعاة الجهل والسياسة والعصبية-وإذا اللسان الأول قد "مات" ولم يبق منه إلا ما اشتق منه، أو فلتقل مات اللسان الصحيح وعاشت أخطاؤه!!

هذا ما حدث في بعض لغات العجم: فقبل عشر قرون، أو قد تنقص قليلا، لم يكن في الدنيا (فرنسية) أو (إسبانية) أو (إيطالية) أو (برتغالية) ... وإنما هي لغة واحدة هي (اللاتينية) فبدأت التحريفات فيها باتساع جغرافيا المتكلمين، وامتزاج اللسان الأصيل بالألسنة المحلية .. فاستقلت تلك التحريفات فأصبحت لغات حية تسعى، بينما اللسان الأصيل أضحى في حكم خبر كان!!!

كان من المفروض أن يقع في لسان العرب ما وقع في لسان الأعاجم .. فالسنة كونية لا تجامل أحدا .. إلا أن الله تدارك هذه اللغة فاصطفاها من بين لغات بني آدم، وبها أنزل قرآنه المبين ... فتحققت معجزتان في التاريخ والثقافة:

-إيقاف العربية عن التطور، والتطور هنا مرادف للتفسخ والانحلال والتشويه ..

-نجاة العربية من الموت والانقراض ..

هذا فضل القرآن على العربية!!

وإن هذه النعمة ليجب أن تشكر حتى من قبل العرب غير المسلمين، فهل كان من الممكن أن تكون لغة الأخطل ولغة الشيخ ناصيف اليازجي واحدة لولا القرآن!

كلا!!

لقد وقفت شخصيا على نصوص في اللغة الفرنسية مترجمة من الفرنسية إلى الفرنسية!

أقول "مترجمة" وليست "مشروحة" ... فليست هي من قبيل شرح ابن (الأنباري) للسبع الطوال أو شرح (المرزوقي) للحماسة بل هي من جنس ترجمات حنين ابن إسحاق أو اسحاق بن حنين!!

فرنسية القرن الثالث عشر غير مفهومة قطعا عند الباريسيين اليوم .. فيضطرون إلى الترجمة: ترجمة فرنسية الأمس إلى فرنسية اليوم .. وليس الفاصل إلا بضعة قرون ..

والعربي اليوم ما زال يصغي لامريء القيس ويفهم عنه من غير مترجم، كما لو كان المتكلم والسامع يجمع بينهما مجلس واحد مع أن بينهما قرونا وقرونا!!

هي نعمة القرآن على كل عربي مسلم أو غير مسلم ..

وهي نعمة القرآن على العربية فما أنقذها من مصير اللاتينية إلا هو ..

هذا الشاهد على العربية يجب أن يحفظ ويصان ..

فلا بد من تدوين جديد .. أقصد لا بد من وضع معجم على غرار مفردات الراغب مثلا .. لكن مع فرق ملحوظ: معجم الراغب تكفل بإظهار معاني المفردات، أما المعجم المنشود فيتكفل بإظهار المعاني التي يجب ألا تحملها مفردات القرآن ..

لأن هذه المعاني دخيلة ومحرفة لكنها شاعت على الألسن ووطأتها الأقلام .. حتى أن مستمعها في القرآن لايحملها إلا على غير وجهها ..

نحتاج إذن إلى معجم ينقي الترسبات الدلالية في الكلمة القرآنية ويزيل الطبقات التي شحنت بها الكلمة عبر التاريخ .. فلا يبقى إلا الدلالة الصقيلة في زمن النزول .. !!

2 - أمثلة:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015