قال منصور مهران:
لعل مَن فسره بالمقطوع نظر إلى انقطاع زمن الحَوْل عن الزيادة وهذا هو التمام بعينه، وقد يُسْتَأنَسُ بقول ابن قتيبة في المعاني الكبير تعليقا على بيت طفيل الغنوي:
" مُجَرَّم: مقطوعٌ ماضٍ "
يريد أن الحول مضى تاما فهو مقطوع عن الزمن الحادث بعد تمام الحول.
وبالله التوفيق.
ـ[صالح العَمْري]ــــــــ[04 - 06 - 2012, 09:00 م]ـ
أحسن الله إليك يا أبا قصي.
وأنا أخالفك في ما ذهبت إليه، فالذي فهمته من كلامك أن معنى المجرَّم المرادف له -في قولهم: حول مجرَّم- هو التام، وأنه ليس بمعنى المقطوع وإنما هذا احتيال لردِّه إلى أصل من الأصول أو هو تفسير وشرح بألفاظ أخرى.
وهذا عكس للحقيقة، وينبغي أن يكون الكلام على عكس هذا وخلافه، بل معنى المجرَّم المرادف له هو المقطوع، هذا معنى هذه الكلمة إذا أخذت وحدها، ثم وصفوا بها الحول التام لأنهم نظروا فيه إلى معنى الانقطاع الذي أشار إليه الأئمة، فهذا لا يخرج المجرَّم عن أن يكون معناه: المقطوع، ثم وصفوا به الحول التام.
فإن قيل لنا: ما معنى المجرَّم؟ قلنا: معناه المقطوع، فإن قيل: أي شيء أرادوا بقولهم: حول مجرَّم؟ قلنا: أرادوا به الحول التام سمَّوه بذلك لأنهم نظروا فيه إلى معنى الانقطاع، فكأنهم قالوا: حول مقطوع، ثم أطلقوا ذلك على الحول التام، وهذا هو الذي فهمه الأئمة.
ومما يدلك على أنهم نظروا إلى معنى الانقطاع في قولهم: حول مجرَّم = أنهم يقولون: حول مُجرَّد، قال ابن سيده في (المخصص): "لأنهم يقولون: حول مجرَّم وحول مجرَّد، وإذا تجرَّد الشيء ظهر وزال عنه ما يخامره ويستره ..... "
فسموا الحول التامَّ حولا مجرَّدا مثل ما سموه حولا مجرَّما، فهذا يدلك على أنهم نظروا فيه إلى معنى الانقطاع، والتجرُّد معناه معروف وهو قريب من معنى الانقطاع، لأنه ينقطع عن الشيء ما يخالطه ويخامره ويزول عنه.
فيجب أن يبقى للمجرَّم والمجرَّد معناهما وإن أطلقا على الحول التام.
وأما القول بأن ذلك مأخوذ من الجِرم الذي هو الجسم فأراه بعيدا متكلَّفا، وهو مع ذلك مخالف لما فهمه الأئمة الأثبات كابن قتيبة وابن الأنباري والأزهري وابن فارس -في ما نقلتُه ونقله الإخوة من أقوالهم- من أن ذلك مأخوذ من الجَرم الذي هو القطع.
فـ (المُجَرَّم) معناه المقطوع، وهو اسم مفعول من (جرَّم) بمعنى قطع، وكذلك قولهم: "جرَّمنا هذه السنة"، معناه في الحقيقة قطعنا هذه السنة وهذا يلزم منه أننا أتممناها وأكملناها، فإذا قيل في تفسيرها: أتممناها وأكملناها كما ذكر أبو قصي فإنه شرح وتفسير بأشياء من لازم الانقطاع لأن قطعها لا يكون إلا بإتمامها وإكمالها.
وهذا هو الذي فهمه العلماء من (جرَّمنا)، قال في اللسان: "الليث: جَرَّمْنا هذه السنةَ أي خَرَجْنا منها، وتَجَرَّمَتِ السنةُ أي انقضت، وتَجَرَّمَ الليلُ ذهب"
ألا ترى أن قوله: "خرجنا منها" معناه: قطعناها عنا، وقوله: "انقضت" معناه: انقطعت عما بعدها، وقوله: "ذهب" معناه، انقطع عن النهار وانصرم عنه؟
ومما يدل دلالة واضحة على أن (جرَّمنا) هنا معناها قطعنا ما حكاه ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم، قال: "وجرَّمْنا القومَ: خرجنا عنهم".
فهل يجوز أن يقال هنا: جرَّمنا القوم معناه أتممناهم وأكملناهم، كما قيل في: "جرَّمنا هذه السنة"؟!
بل معناه: قطعناهم وبِنَّا عنهم، لا شك في ذلك، وقوله: "خرجنا عنهم" تفسير وشرح، وتستطيع أن تشرح ذلك بألفاظ كثيرة، فتقول: فارقناهم وزايلناهم وغير ذلك لكن لا يقال: إن معنى: "جرَّم" خرج وفارق، بل معناه: قطع، وكذلك الحول المجرَّم لك أن تقول في توضيحه: هو الحول التام والكامل والكريت وغير ذلك لكن المجرَّم معناه المقطوع ولا بد، ثم سموا به الحول التام الكامل.
وللحديث بقية إن شاء الله.
ـ[صالح العَمْري]ــــــــ[04 - 06 - 2012, 11:26 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
وقال في اللسان:
"وفي الحديث: لا تذهب مائة سنة وعلى الأرض عين تطرف، يريد تجَرُّم ذلك القرن. يقال: تجرَّم ذلك القرن أي: انقضى وانصرم، وأصله من الجَرْم القطع، ويروى بالخاء المعجمة من الخرم، وهو القطع."
فتراه فسَّر "تجرَّم" بقوله: "انقضى وانصرم"، والانصرام هو الانقطاع، فهذا هو معنى "تجرَّم"، ومن قال: معناها كمل وتمَّ، فإنما فسَّرها بلازم الانقطاع، لأن انقطاع الحول إنما يكون بتمامه وكماله.
والرواية الأخرى: "تخرَّم" تشير إلى أن "تجرَّم" معناها انقطع، وليس تم وتكمَّل، لأن تخرَّم من الخرم وهو القطع.
وقال في (أساس البلاغة):
"وتجرَّم العام، والشتاء، والصيف: تصرَّم. وجرَّمناه: قطعناه وأتممناه، وعام مجرَّم."
فهذا هو معنى (تجرَّم) في الحقيقة، أي انقطع وتصرَّم، ولا يكون ذلك إلا بتمامه واكتماله، فلذلك يقال في تفسيره: تكمَّل، كما قال في الصحاح.
ومما يدلك على أن (تجرَّم) معناها: انقطع، أنهم يقولون: تصرَّم الليل كما يقولون: تجرَّم الليل وتجرَّمت السنة، قال الشاعر:
قد هاج سار لساري ليلة طربا * وقد تصرَّم أو قد كاد أو ذهبا
فـ (تجرَّم) و (تصرَّم) معناهما: انقطع، وليس معنى (تجرَّم) تمَّ وتكمَّل، كما ذكر أبو قصي.
وأما قول أبي قصي:
وذلكَ أنَّهم يقولون: (فلانٌ جَريمٌ) إذا كانَ عظيمَ الجِرمِ، تامَّ الخَلْقِ. ثمَّ شبَّهوا بذلك التامَّ من الأزمنةِ، فقالُوا: (حولٌ جريمٌ) أي: تامٌّ كامِلٌ، على سبيلِ المجازِ
ففيه تكلف، وادعاء أنهم شبهوا هذا بهذا، ثم ادِّعاء أنهم تصرفوا في هذا (الجريم) واشتقوا منه قولهم: "جرَّمنا هذه السنة" و "تجرَّمت السنة"، وهذه دعوى لا دليل عليها، بل الأقرب أن ذلك كله مأخوذ من الجَرم بمعنى القطع، و (جَريم) فعيل بمعنى مفعول، فمعناه مقطوع مثل المجرَّم، وهذا كما قالوا: "تمر جريم" أي مجروم وهو المقطوع المصروم.
ومما يستأنس به هنا أنهم يسمون الصبح الصَّريم، بمعنى المصروم، لانقطاعه من الليل، وكذلك يسمون الليل الصَّريم لانقطاعه من النهار.
فكذلك الجريم في قولهم: حول جريم، أو يوم جريم معناه المجروم المقطوع، مثل المُجرَّم، أي الذي قطعته عنك، من قولهم: قطعتُ هذه السنة وجرَّمتُها.
والله أعلم.
¥