ملتقي اهل اللغه (صفحة 3730)

الذين شافَهُوهم، ولكنَّك إذا تصفّحتَ كتبَهم، وجدتَّ شواهِدهم متقارِبةً معروفةً، ومكرَّرةً مألوفةً، ولم تجِد الرّجلَ منهم يتفرَّد بشيءٍ من الشِّعرِ إلاّ علَى سبيلِ الفَرْط، والقِلَّة مع أنَّ كثيرًا منها منسوبٌ إلى قائلِه، أو راويهِ.

وعلَى أنَّا نقول: هذه الأبياتُ الّتي تفرَّد بها ابن مالكٍ إمَّا أن يكونَ قد جمعَها من كتبِ النُّحاةِ، فيكون قد سُبِقَ إلَى الاحتجاجِ بها، وإمَّا أن يكونَ هو الّذي استخرجَها بنفسِه من بطونِ الدّواوينِ. ولا يجوز الاحتِمالُ الأوَّل، لأنَّ كثيرًا من كتبِ النُّحاةِ مطبوعةٌ مبذولةٌ، ولسنا نجِد هذه الأبياتَ فيها. وقد يُقبَل هذا لو كانَ ما تفرَّد به بيتًا، أو بيتينِ، أو قريبًا منها. كما أنَّ العلماءَ الذين كانُوا في وقتِه، وبعدَه وقد أدركُوا كثيرًا من كتبِ النَّحو قبلَ فِقدانِها كانُوا " يتحيَّرون في أمرِه " كما قالَ الصّفديُّ (ت 764 هـ)،ولا يعرِفُون مصدرَ هذه الأبياتِ الّتي يَحتَجُّ بها، وفيهم أبو حيَّانَ (ت 745هـ).وهو أوسَعُ اطِّلاعًا منه، وكثيرًا ما ردَّ عليه دعوَى الإجماع بما ينقضُه من الخِلافِ. ومِثلُه عبدُ القادرِ البغداديُّ (ت 1093هـ).وكانَ عالِمًا عارفًا بالكتب حاويًا لها. كما أنَّ شواهِد كتبِ النَّحو كما نرَى متقارِبةٌ معروفةٌ، فمِن المُحالِ أن يستخرجَ هذا المِقدارَ الكبيرَ من المفقودِ منها، لأنَّا إذا زعمنا أنَّ كلَّ كتابٍ منها تفرَّد بعشرينَ بيتًا لم يروِها غيرُه، ولم ينقلها عنه أحدٌ من العلماءِ المطبوعةِ كتبُهم، وهو عدَدٌ كثيرٌ، فمقتضَى ذلكَ أن يكونَ ابنُ مالكٍ قد اطَّلعَ على ثلاثينَ كتابًا من كتبِ النَّحو كلُّها لم يصِل إلينا، وكلُّها لم يقع عليه أحدٌ من أهلِ عصرِه، ولا من مَّن قبلَهم، ولا من مَّن بعدَهم. وهذا منَ المُحالاتِ الّتي يأبَاها أهلُ العقلِ، والمعرِفةِ.

وأمَّا الاحتِمال الثاني، وهو أن يكون قد استخرجَها من بطون الدّواوينِ، فغيرُ جائِزٍ أيضًا، لأنَّه ليسَ في كلِّ قصيدةٍ يوجَد شاهدٌ. وذلكَ أنَّ أكثرَ الشّواهِد إنّما هي شواهدُ على مسائلَ نادرةٍ قليلةِ الورودِ. وإذا قلنا: إنَّ في كلِّ قصيدةٍ شاهدًا علَى مسألةٍ، وقلنا: إنَّ متوسِّطَ القصيدةِ عشرون بيتًا، فلا بُدَّ أن يكونَ ابن مالكٍ قد اطَّلَع على ما لا يَقِلُّ عن سبعِ مئةِ قصيدةٍ، أو على أربعةَ عشرَ ألفَ بيتٍ لم يطَّلع عليها أهلُ عصرِه من مَّن هم أمسُّ منه بالشِّعر، وأجمعُ له. وهذا من الأمورِ الّتي لا يقبَلها العقلُ الصّحيحُ. وإذن، فلا ريبَ أنَّه هو الّذي وضعَها).

11 - وليس لتقرير ما ذهب إليه من حيث الجُملة؛ فالموضوع في غاية الحساسيّة، وهو بحاجة إلى تروٍ، وتأنٍ في البحث، مع تضافر لجهود الباحثين.

12 - تأليف أحمد بن الأمين الشّنقيطي (ت:1331هـ)،وضع حواشيه: محمّد باسل عيون السّود، دار الكتب العلميّة – بيروت، ط/الأولى 1419هـ - 1999م.

13 - طبع: دار إحياء التّراث العربي، تحقيق: محمّد محي الدّين عبد الحميد.

14 - لست أدري لِمَ لَمْ يُعلِّق ابنُ هشام على شاهد ابن مالك الّذي احتجّ به على جواز توظيف (لا غير) في اللّغةُ، وقد اطّلع عليه؟!؛فلعلّه سها عنه فلم يستحضره حين لحّنه، ولعلّ ...

15 - تتمّة كلام ابن هشام في مغني اللّبيب، قال: (ويُقال " قبضتُ عشرةً ليس غيرُها "،برفع غير على حذف الخبر، أي مقبوضا، وبنصبها على إضمار الاسم، أي ليس المقبوضُ غيرَها، و" ليس غيرَ " بالفتح من غير تنوين على إضمار الاسم أيضا، وحذف المضاف إليه لفظا ونيّة ثبوته كقراءة بعضهم (لله الأمرُ من قبلِ ومن بعدِ) [الرّوم/4] بالكسر من غير تنوين، أي من قبلِ الغَلَبِ ومن بعدِهِ. و" لَيْسَ غَيْرُ " بالضمّ من غير تنوين، فقال المبرّد والمتأخّرون: إنّها ضمّة بناء لا إعراب، وإنّ "غير" شُبّهت بالغايات كقبلُ وبعدُ؛ فعلى هذا يُحتمل أن يكون اسما وأن يكون خبرا، وقال الأخفش: ضمّة إعراب لا بناء؛ لأنّه ليس باسم زمان كقبل وبعد، ولا مكان كفوق وتحت، وإنّما هو بمنزلة كلّ وبعض؛ وعلى هذا فهو الاسم، وحُذِفَ الخبر، وقال ابن خروف: يحتمل الوجهين. و" ليس غيرًا " بالفتح والتّنوين، و" ليس غَيْرٌ " بالضمّ والتّنوين: وعليهما فالحركة إعرابيّة؛ لأنّ التّنوين إمّا للتّمكين فلا يلحق إلاّ المُعْربات، وإمّا للتّعويض فكأنّ المضاف إليه مذكور. ولا تتعرّف " غير " بالإضافة لشدّة إبهامها ...).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015