ملتقي اهل اللغه (صفحة 3728)

(ليس غير)، وقولهم: (لا غير) لحن!

ـ[محمد تبركان]ــــــــ[26 - 10 - 2013, 03:26 م]ـ

(لَيْسَ غَيْرُ)،وقولُهم: (لا غَيْرُ) لَحْنٌ؟!: (غَيْر) اسمٌ ملازِمٌ للإضافة في المعنى، ويجوزُ أن يُقطَعَ عنها لفظًا إن فُهِم المعنى، وتَقدّمتْ عليها كلمة (ليس)، تقول: جاءني زيدٌ ليس غيرُ، تريد: ليس غيرُهُ عندي.

وعِلمي أنّ العربَ المعتبر كلامُهم (1) لم تَتفوّه بهذا التّركيب (لا غَيْر) (2)،في نظمها ونثرها، (وإنّما يُستعمَلُ [ذلك] إذا كانتْ "إِلاَّ" و "غيرُ" بعدَ "ليسَ"،ولو كَانَ مَكانَ "لَيْسَ" غَيْرُهَا من أَلْفَاظ الجَحْد لم يَجُزِ الحَذْفُ، ولا يُتَجاوَزُ بذلك مَوْرِدُ السَّمَاع) (3).

واعتبره ابنُ مالك (ت:672هـ)،واحتجّ له في باب القَسَم من شرح التّسهيل (3/ 209) (4) و (3/ 75) (5)، بشاهد غريب، هو قول الشّاعر (؟) [من الطّويل]:

جَوابًا به تَنْجُو اعْتَمِدْ فَوَرَبِّنا ... لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لا غيرُ تُسْأَلُ (6).

وتبع ابنَ مالك في اعتباره أكثرُ مَن جاء بعده، اعتمادا منهم على هذا البيت الفَرْد، فمنهم:

1 - الزّركشي (ت:794هـ) في البحر المحيط (2/ 309).

2 - الفيروزبادي (ت:817هـ) في القاموس المحيط (7) (ص 453) (8).

3 - الأشموني (ت:900هـ) في شرح الألفيّة (2/ 321).

4 - خالد الأزهري (ت:905هـ) في شرح التّصريح (1/ 718 رقم 547).

5 - السُّيوطي (ت:911هـ) في همع الهوامع (2/ 145).

6 - الزّبيدي (ت:1205هـ) في تاج العروس (13/ 284 - 285).

7 - عبد الغنيّ الدّقر (معاصر) في معجم القواعد العربيّة (ص376 لا غير).

و ... الخ.

وقد حاولت جاهِدا أن أظفر بشاهدٍ واحدٍ فقط لتجويز هذا التّوظيف (لا غير)؛فلم أسطِعْ ذلك، ولعلّ الأيّام تُسفِرُ عنه – إن شاء الله تعالى –.

ثمّ وقفتُ على ما خطّته يراعة الفاضل فيصل المنصور في ملتقى أهل اللّغة ضمن حلقة النّحو والصّرف تحت عنوان: (وقفة مع وضع ابن مالك للشّواهد النّحوية) (9)،حيث قرّر فيها أنّ ابنَ مالك حشا كتابه بنحو سبع مئة بيتٍ من الشّعر من غير أن ينسبها لأحد، ولا عُرِفَتْ لأحدٍ من الشّعراء قبله؛ ذلك لأنّه هو واضِعُها! (10).

كذا قال!،وقد سقت بقيّة كلامه في الحاشية بحروفه؛ لتأييد (11) ما ذهبت إليه من كون هذا البيت:

جَوابًا به تَنْجُو اعْتَمِدْ فَوَرَبِّنا ... لَعَنْ عَمَلٍ أَسْلَفْتَ لا غيرُ تسْألُ

فرْدٌ في بابه، وواضعُه – إنْ لم يكن ابنَ مالك رحمه الله تعالى – مجهولٌ؛ فكيف – والحال على ما وصفت – يُستدلُّ به على توظيف هذا التّركيب اللّغوي (لا غَيْر)،من غير أن يشهد له شاهِدٌ واحد من لغة العرب؟!؛ممّا يؤكِّد – في نظري - أنّه تركيب دخيل مباين لسنن العرب في الخطاب والكتاب.

وعن هذا الشّاهد قال صاحب الدُّرر اللّوامع على همع الهوامع (1/ 450 رقم 820) (12) بعد أن نقل قول الفيروزبادي في القاموس المحيط (ص 453): (وقد سُمِع)،قال: (ولم أعثُر على قائلِ هذا البيت).

وأمّا ابنُ هشام – رحمه الله تعالى - فلعلّه أوّل مَن نبَّه إلى هذا الغلط، قال في مغني اللَّبيب (13) (1/ 157 - 158 حرف الغين المعجمة): (غَيْر: اسمٌ ملازِمٌ للإضافة في المعنى، ويجوزُ أن يُقطَعَ عنها لفظا إن فُهِم المعنى، وتَقدّمتْ عليها كلمة " ليس "،وقولهم:" لا غير " (14) لَحْنٌ ...) (15).

وزاده بيانا في شذور الذّهب (16) (ص140): (النّوع الثاني [من الباب السّادس من المبنيّات]: ما أُلحِق بقبلُ وبعدُ من قولهم:" قَبَضْتُ عَشَرَةً لَيْسَ غَيْرُ "،والأصْلُ ليس المقبوض غَيْرَ ذلك؛ فأُضْمِرَ اسمُ "ليس" فيها وحُذِفَ ما أضيف إليه "غير" وبُنيت "غير" على الضّم، تشبيها لها بقبلُ وبعدُ، لإبهامها، ويحتمل أنّ التّقدير: ليس غيرُ ذلك مقبوضاً، ثمّ حذف خبر "ليس" وما أُضيفت إليه "غير" وتكون الضمَّةُ على هذا ضمةَ إِعرابٍ، والوجه الأول أوْلى؛ لأنّ فيه تقليلا للحذف، ولأنّ الخبر في باب "كان" يضعُفُ حذفُه جداً. ولا يجوز حذف ما أُضيفتْ إليه "غير" إِلاّ بعد "ليس" فقط، كما مثّلنا، وأمّا ما يقع في عبارات العلماء من قولهم:" لا غير "؛فلم تتكلّم به العربُ، فإمّا أنّهم قاسوا "لا" على "ليس"،أو قالوا ذلك سَهْواً عن شرط المسأَلة) (17).

ولعلّ هذه المسألة اللّغوية بحاجة إلى مزيد تروٍ في البحث والتّحقيق لمايلي:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015