والتأليف في هذا الباب لا يخفى على كثير من طلاب العلم, والمقصود بالمثلّث اللغوي: تلك الكلمات التي تختلف معانيها باختلاف حركة حرف من حروفها, ما لم يكن ذلك لغة, كمثل: كلمة: (الغَمْرُ) , و (الغِمْرُ) , و (الغُمْرُ) , فالفتح للماء الكثير, والكسر للحقد, والضم لمن لم يجرب الأمور.
وقد أَرْبَتْ الكتب في هذا الباب على خمسة وأربعين كتابًا غير كتب المعاصرين, ما بين نثر ونظم, فمنها: (المثلث) لقُطْرُب, وما وضع عليه: شرحًا, أو تحشية, أو نظمًا, أو استدراكا, و (كتاب المثلث) للسيد البَطَلْيوِسي, (وإكمال الأعلام بتثليث الكلام) نَثْرٌ لابن مالك, و (إكمال الأعلام بمثلّث الكلام) نَظْمٌ له, إضافة إلى المنظومات المربّعة, والمخمّسة, كتخميس نظم المثلث لابن زُرَيْقٍ البَهْنَسِيّ, الذي مطلعه: «يا مُولَعًا بالغَضَبِ».
6) كتب مصطلحات وكلمات الناس.
كثير من الدارسين يغفل هذا النوع ولا يذكره, والمقصود به تلك الكتب التي عنيت بما اشتهر في ألسنة الناس من عبارات مركّبة أو جمل برمّتها لها مدلول خاص, وهذه الكلمات التي سار عليها الناس ليست من قَبِيل الأمثال التي فيها مصدر ومَوْرِد, أو الحكم الشائعة الذائعة, بل هي مما اصطلحوا عليه وجاء لمعنى معيّن بأسلوب معيّن, وقبل ذكر طرف من الكتب المتعلّقة بهذا الباب أعرّج على بعض الأمثلة لِيُفْهَم المقصود, فمن ذلك: الكلمات التي اسْتُخْدِمَتْ مضافة أو مركّبة لمعنى من المعاني, كقول القائل: «فلان (ضربَ) الخيمة, فلانٌ (ضرب) النقود, فلانٌ (ضرب) عني صفحًا, فلان (ضرب) في الأرض, فلان (ضرب) بيد من حديد» , فَضَرْبُ الخيمة: نَصْبُها وإقامتُها, وضَرْبُ النُّقُود: سَكُّها, وضَرَبَ عنه صَفْحًا: أي أعرض عنه, وضَرَب في الأرض: أي سافر, وضَرب بِيَدٍ من حَدِيد: أي شَدَّدَ عليه, وأنت ترى أن كلمة (ضرب) تكررت في كلّ ما سبق, ولكلّ تركيب معنى خاص.
ومن الجمل التي اصطلح عليها العرب قولهم: «قلب الدهر لي ظهر المِجَنّ» , أي: عاداني بعدما كنا صديقين, وأفقرني بعدما كنت غنيًّا. وقولهم: «قد أَخَذْتُ الشيءَ بحذافِيرهِ» , أي: أخذته بأجمعه. ومنها كذلك: «لأُرِيَنَّكَ الكواكب بالنهارِ» , أي: لأحزنَنَّكَ ولأَغُمَّنَّكَ ولأُبرحنّ بك، حتى يُظلِمَ عليك نهارُكَ، فترى الكواكب، لأنّ الكواكب لا تبدو في النهار إلا في شِدَّةِ الظُلمة.
ومن الجمل التي يستخدمها المعاصرون كذلك: (أَكَل عليه الدهرُ وشَرِبَ) , (هذا الموضوع قُتِل بحْثًا) , (فلان يخبط خبطَ عشواء).
وكثيرٌ من الدراسين تمرّ عليه عبارات كهذه, فيعود إن أراد معرفتها لمعجمات الألفاظ, وكثيرًا ما يضلّ الطريق لأنه يقف على معاني المفردات, وهذه الاستعمالات كثيرٌ منها جيء به على سبيل السَّعة وانفساح مجاري الكلم, فإما أن يقف على الصواب بعد لَأْيٍ, وإما أن يَخْبِط خَبْطَ عشواء!
ومن الكتب المؤلّفة في هذا الضرب: (الفاخر) للمفضل بن سلمة, و (الزاهر في معاني كلمات الناس) لابن الأنباري. ومن الكتب التي عنيت بهذا الضرب أيضًا: بعض شروح الشِّعر الجاهلي والإسلامي والأمَوِي والعبّاسي, ففي الشعر أساليب كثيرة لا تُفْهَم بفك غامضها وشرح ألفاظها, وقد قال أبو عمرو بن العلاء قديمًا: «الْعُلَمَاءُ [أو الْبُصَرَاءُ] بالشِّعْر أَعَزُّ من الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ» , فاعرف ذلك واقدُرْهُ قَدْرَهْ.
ثانيًا: المدارس المعجمية.
اختلفت طرق عرض المادّة العلمية في معاجم الألفاظ خصوصًا, كَوْنَها الكتب التي جمعت نُتَفًا من هذه الأنواع الستّ, لكنها لم تستوعب جلّ المعاني, لذا تفاوتت في السَّعة والتَّقَصِّي والتَّتَبُّعِ, وقد صُنّفت على مدارس ثلاث تذليلًا للدّارسين, وقبل عرضها ينبغي أن تضع ثلاثة أمور في الحسبان, هي:
الأمر الأول: اتفاق هذه المدارس في نظام تجريد الكلمة من زوائدها, فكلمة: (تراث) تجدها في (ورث) , و (مطار) في (طير).
والأمر الثاني: تصرّف بعض المعاصرين من الناشرين وغيرهم في تغيير ترتيب هذه الكتب, مثل (لسان العرب) ط. دار صادر, وكتب أخرى, وهذا التصرّف غير مقبول إن جُعِل على أنّه من الكتب, فمؤلِّفه رمى بتأليفه غرضا معيّنًا, والناشر أو الطابع غيّره وبدّله.
¥