-ولو قيلَ لمن يكتبها: (إذن) بالنون، لِم كتبتهَا هكذا؟
فيمكنه أن يقول: للفرقِ بينها، وبين (إذا) الشرطية في الصورة، كما افترقا في الحقيقة. [وفي هذا احتجاج بعلة الفرقِ. وهي علةٌ معروفةٌ لها نظائرُ]
-مثال مفترَضٌ (2):
لو قيلَ لمن يقطع همزةِ (الاثنين) علمًا على اليومِ: لمَ قطعتَها؟
لقال: للإشعار بالنقلِ إلى العلميةِ.
ولو قيلَ لمن يصلها: لمَ وصلتَها؟
لقال: لأنَّ هذا هو السماع، والقياس، والإجماع [على ما تقدَّم تفصيله في درس ماضٍ]
فإذا كانَ الأمرُ كذلكَ، وجبَ على كلِّ متصدٍّ للاجتهادِ أن يتمرَّسَ بمعرفةِ عوائد العربِ في كلامِها، وأن يُحيطَ علمًا بأصول النحوِ، ومنطقِهِ؛ فيكون مقتدرًا على المفاضلة بينَ الأقوالِ، والترجيحِ بينها، ومعرفةِ ما يتلبَّس بها من المغامزِ الدقيقةِ، والمطاعنِ الخفيّة.
-ولصحةِ العلةِ شروطٌ، منها أن يكونَ لها نظائرُ تشهدُ أن العربَ، أو الواضعَ يعتدُّ بها، ويبني أحكامَه عليها. ومنها أن تكونَ مطردةً، منعكسةً. ومنها أن تكونَ ملائمةً للحكمِ، يجوزُ أن تكونَ مولِّدةً لهُ. وليس هذا موضعَ البسطِ، والإفاضةِ فيها.
والعلةُ التي اعتلوا بها لقولِهم في الرسمِ لا تصِحُّ لأمرينِ:
الأول: عدمُ اطرادِها؛ فإنهم يكتبون (سائل) ونحوَها بهذه الصورة مع أنها مثلُ (فائتِ)، ولم يكرهوا اجتماعَ همزةٍ، وألفٍ. وإنما يُكرَه أن يجتمعَ حرفانِ متماثلان ليس بينهما حاجزٌ، أحدُهما صورةٌ للهمزةِ؛ نحو (شؤون)، أو نحو هذه الصورة (اأ).
الثاني: تركيبُ العلةِ تركيبًا فاسدًا ملفَّقًا من أمرينِ، هما الاتَّصال، واجتماع المثلينِ. فإنْ كانَ اجتماعُ المثلينِ من بابِ (شؤون)، فتكونُ دعوى الاتَّصال زيادةً عن العلَّةِ لا حاجةَ لها، ويكونُ اجتماع المثلينِ اعتلالاً غيرَ صحيحٍ، لبيانِ الفرقِ بينه، وبينَ (شؤون). وإنْ كانَ اجتماعُ المثلينِ أمرًا آخرَ غيرَ اجتماعه في (شؤون)، فتكونُ هذه أولاً علةً لا نظيرَ لها في كلامِهم، وثانيًا لا مناسبةَ لها للحُكمِ، لأنَّ الاجتماعَ إنما كُرِهَ، لكونِه لمثلينِ في الرسم، لا في الحقيقةِ، وإنما سوَّغ لهم حذفَ أحدِهما، لأنه صورةٌ للهمزةِ، وليس حرفًا أصليًّا؛ فحذفُه لا يُوقِع في لبْسٍ، وليس فيهِ إجحافٌ. وكلُّ هذا مفقودٌ في هذه المسألةِ.
وهذا الردُّ إنما هو على مَن رأى الحذفَ لغيرِ دعوى التوسُّطِ؛ وإنما للعلةِ المركبةِ المتقدِّم ذِكرُها. فأمَّا مَن يرى الحذفَ لدعوى التوسُّطِ، فله ردٌّ آخرُ ذكرنا جملةً منه في صُلبِ الدرسِ.
ولكِ الشكرُ الجزيلُ.
ـ[عائشة]ــــــــ[31 - 12 - 2008, 07:48 م]ـ
الأُستاذ الفاضل / أبا قصَيّ
بارك اللهُ لكَ في ما آتاكَ، وزادكَ علمًا وفهمًا.
لي سُؤالٌ - إذا سمحتَ -:
ألا يُمكِن أن يَّكونَ السّيوطيُّ - في كلامِهِ الَّذي نقلْتُ عَنْهُ - قد قَصَدَ باجتِماعِ المِثْلَيْن= أن تُكتَبَ كَلِمةُ (ائتِ) - بعد دخولِ الواو والفاءِ - علَى هذه الصُّورةِ: (واأْتِ - فَاأْتِ)؟ ذلك أنَّ الهمزةَ (فاءَ الكلمةِ) في (ائْتِ) مُتوسِّطةٌ، وقد كُتِبَتْ علَى ياءٍ؛ لأنَّها ساكنةٌ مكسورٌ ما قبلَها، فلمَّا سَبَقَتْها الواوُ والفاءُ - وهُما مفتوحتان -؛ كُتِبَتْ علَى ألفٍ؛ حيثُ صارَتْ مسبوقةً بفَتْحٍ، وهي ساكنةٌ؛ فكانَ في ذلك اجتِماعُ مِثْلَيْن؛ هُما: همزةُ الوَصْلُ، والهمزة الَّتي هي فاءُ الكلِمة - علَى ما ذَكَر السيوطيُّ -.
أمَّا ذِكْرُ الاتِّصالِ بينَ الواوِ والفاءِ وما بعدَها؛ فلئلاَّ يُناقِضَ ذلكَ كتابةَ المتوسِّطةِ كما هيَ علَيْهِ، بعدَ ما ليسَ بواوٍ ولا فاءٍ - دُون مُراعاةِ حرَكتِه -؛ فيكون سببًا في الإشكالِ؛ فكانَ ذِكْرُ الاتِّصالِ دافعًا لهذا الإشكالِ. واللهُ تعالَى أعلمُ.
جزاكَ الله خيرًا.
ـ[علي الحمداني]ــــــــ[01 - 01 - 2009, 06:49 ص]ـ
1 - (الاختيار): مصدر الفعل الخماسي: اختار
2 - (أحبُّ العربية): فعل مضارع لا تنطبق عليه القاعدة
3 - (واستبشر محمدٌ بالنجاح): فعل ماض سداسي
4 - (فائتني الساعة): فعل أمر ماضيه الثلاثي: أتى. واتصال الفاء بالكلمة لا يغير رسمها.
5 - (ارحمني يا رب): فعل أمر ماضيه رحم.
ـ[عبد العزيز]ــــــــ[01 - 01 - 2009, 09:50 ص]ـ
1 - (الاختيار): مصدر الفعل الخماسي
2 - (أحبُّ العربية): الهمزة على أصلها
3 - (واستبشر محمدٌ بالنجاح): فعل ماض من السداسي
4 - (فائتني الساعة): أمر من الثلاثي اتصل به الفاء
5 - (ارحمني يا رب): أمر من الثلاثي
ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[04 - 01 - 2009, 12:36 م]ـ
أختي الكريمة / عائشة
جزاك الله خيرًا.
هذا الوجه الذي نقلتِ عن السيوطيِّ مدفوعٌ بأمورٍ؛ منها:
1 - أن التوسُّطَ هنا ممتنعٌ لوقوعِ التناقضِ بينَه وبينَ (سأصلِّي) - وقد مرَّ ذكرُه -. فذلك كانَ الرأي أن ما اتصلَ بالكلمةِ في أولِها يُحتمَل لقلته؛ وقد تفعلُ العربُ ذلكَ.
2 - أنَّا لو سلَّمنا بالتوسُّط، لكانَ الوجهَ أن تُكتبَ (فاءتِ)، لا (فأتِ)، لأنا إذا ادَّعينا اجتماع المثلين هنا مثلَ اجتماعه في (شؤون)، فقلنا: أصلها (فاأتِ)، وجبَ أن نحذف ما هو صورةٌ للهمزةِ. وإذا حذفناه بقِيت الهمزةُ على سطرٍ، لا على ياءٍ (فاأتِ - فاءتِ). فتبيَّن إذًا أن سببَ الحذفِ إما أن يكون اجتماعَ المثلينِ. وهو شيءٌ لا نظيرَ له بهذه الصورة. وإما حذفَ همزةِ الوصلِ اعتباطًا، فيكون باطلاً، لأنا لو حذفنا همزة الوصلِ مِن (فائت)، لصارت (فئتِ)؛ فإن ادَّعوا التوسطَ، لزِمَهم هذا في (سؤصلي) مما أوله همزة قطعٍ، ولزمَهم أيضًا ذلك في نحوِ (شؤون)، لأنَّ كثيرًا ممَّن يرون كتابتَها (فأتِ) لا يرون كراهيةَ اجتماعِ مثلينِ في الرسمِ. والاحتمال الثاني للحذف هو مراد السيوطيِّ، لأنه بيَّن أن المحذوفَ هو همزةُ الوصلِ، لا صورةُ الهمزة الثانية. [مع التنبيه أن السيوطيَّ ليس له رأيٌ خاصٌّ بهِ؛ وإنما جمعَ في كتابِه كلامَ مَن تقدَّمه].
¥