أنظارهم. وقد تلقَّاها الناس بالقبول والرضا؛ فارتضت هذا العملَ وزارةُ المعارف العمومية المصرية في مدارسها وأقرَّتْهُ. ثم أقرَّه من بعد ذلك مجمع اللغة العربية المصريّ، وكان ذلك سنة 1932م، ثمَّ انتشرت بعد ذلك إلى الأقطار العربية الأخرى، ولا عَجَبَ في ذلك؛ قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم-: "الحكْمةُ ضالّة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها". رواه الترمذيّ.
دور علامات الترقيم في الإفهام والفَهْم:
الكتابةُ فنَّ وذوقٌ… تماماً كالقيادةِ، والقيادةُ الآمنةُ إنّما تكون في طريقٍ رُوعيت فيه سُبُل السلامة العامة، من إشارات مروريّة صحيحة ولوحات إرشاديَّةٍ سليمةٍ تيسِّر على السالكينَ عناءَ السفر، ولولا تلك الإشارات لضلّ كثيرٌ من السالكين ... والكتابةُ إذا لم تشتمل على علامات الترقيمِ الصحيحة اختلط فيها الحابلُ بالنابلِ، تماماً كما تختلطُ السياراتُ في شارعٍ بلا تنظيم .. إنَّنا لا يمكننا أنْ نتصوّر وسطَ عاصمةٍ كبيرةٍ من غير شُرَطيّ مرور، أو إشاراتٍ مروريَّةٍ تنظّم حركة السير على الطرق، إذن لكثرت الحوادثُ والاصطداماتُ، وما لا يُحْمَدُ عقباهُ، وكذلك الحالُ في نصٍّ لم تُراعَ فيه علاماتُ الترقيمِ.
إنّ الترقيمَ عمليةُ تنظيمٍ، فالموضوعُ مكوّنٌ من فقراتٍ، والفقراتُ مكوَّنة من جملٍ… وحتّى لا تختلطَ الأمورُ بعضها ببعض، كان لا بدّ من وجود علاماتِ الترقيم؛ ففي وجودها يتحقَّقُ التناسقُ والانسجامُ بين أجزاء الكلام المختلفةِ، ويُؤمن العثارُ، وتتحقَّق السرعةُ في عصرٍ يقال عنه إنّه عصر السرعةِ، وأيضاً فإنّ القارئَ لم يحظ برؤيةِ الكاتبِ وسماعِ نبرات صوتِهِ، وحركاتِ يديهِ، وقَسَماتِ وجهِهِ، ونَبْرِهِ وتنغيمهِ؛ فكانت علاماتُ الترقيمِ هي البديلُ وهي العِوَضُ… هي التي نرى من خلالها نبضَ الكاتبِ ومشاعَرهُ وأحاسيسَهُ وانفعالاتهِ التي سيطرت عليه في أثناء الكتابة، ليقف حيثُ يلزمُ الوقوفُ، ويصل حيث يلزمُ الوصلُ، وينفعل حيث يلزم الانفعال ويسأل حيث يلزم الاستفهام…
فتأمّل معنا هذين المثالين لتدرك النبرة الصوتية لكلمة (العب) في كل منهما:
- طبيب لمريضه الذي يشكو السمنة: العبْ، العبْ.
- ولي أمر لابنه الذي يلهو وقت الامتحان: العبْ، العبْ!
تدريب: حاولْ أنْ تضعَ علامة الترقيم المناسبة في كلٍّ من المثالين التاليين:
- أَسْمُ هذه عروب
- ?سْمُ هذه عروب
إنّ موضوع الترقيم يتَّصل اتّصالاً وثيقاً بالرسم الإملائيّ، فكلاهما لبنةٌ أساسيّةٌ من لبنات التعبير الكتابيِّ السليمِ، فكما إنّ المعنى يختلف باختلاف صورة الهمزة في بعض الكلمات، فكذلك يختلف ويختلّ –أحياناً- باختلاف علامة الترقيم.
لاحظ معنا الأمثلة التالية وتبيّن الفرق بنفسك:
- سُئِل، سَأل
- يُؤْخذ، يَأخذ
- يُؤْمر، يَأمر
وكذلك إذا قلنا: أعطى مروانُ أصدقاءَه الكتاب.
أعطى مروانَ أصدقاؤُه الكتاب.
وهكذا إذن بالنسبة لعلامات الترقيم، لاحظ الأمثلة التالية، وحاول أن تتعرّف المعنى في كلٍّ منها:
أ- قال صاحبي: لا ينفعُ علمٌ من غيرِ وساطةٍ.
قلت أردّ عليه زعمه: لا، ينفعُ علمٌ من غيرِ وساطةٍ.
ب- مات فريدٌ وأخوه في سفرٍ.
مات فريدٌ، وأخوهُ في سفرٍ.
ج- لا ينجحُ غيرُ المجدّ.
لا، ينجحُ غيرُ المجدّ عند بعضهم.
د- لا يستردُّ الأوطانَ غيرُ جنودِها.
لا، يستردُّ الأوطانَ غيرُ جنودِها.
هـ -? فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ?.
فويلٌ للمصلّين، الذين هم عن صلاتهم ساهون.
و- ? قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا،هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ?.
قالوا: يا ويلنا من بعثنا مِنْ مرقدنا هذا، ما وعد الرحمنُ وصدقَ المرسلون.
ز- ? يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْالصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى?.
يا أيّها الذي آمنوا لا تقربوا الصلاة، وأنتم سكارى.
وقد تسعف العلامةُ الإعرابيّة أحياناً في تصوُّر العلامةِ الترقيميةِ المناسبةِ، من ذلك مثلاً:
- ما أحسنَ مروانُ. تفيد النفي.
- ما أحسنَ مروانَ! تفيد التعجب.
- ما أحسنُ مروانَ؟ تفيد الاستفهام.
وقس عليها. ولكن إذا غابت الحركات الإعرابية، فلن يُتبيّن لنا الأمر إلا بعلامات الترقيم المناسبة.
تدريب: ضع علامة الترقيم المناسبة، مستعيناً بالحركات الإعرابية:
¥