أمَّا الإصلاحُ الثَّاني، فقد تمَّ في خلافةِ عبدالملكِِ بن مروانَ وهو (إعجامُ الحروفِ)، الإعجامُ بِمعنى نَقْطِ الحُروف، عندما كَثُرَ التَّصحيفُ (القِراءةُ المغْلوطةُ) على ألسنةِ الأعاجمِ الذينَ يتلونَ كتابَ اللهِ؛ فَنهضَ نصرُ بن عاصمٍ ويحيى بن يَعْمُرَ بهذا الأمرِ لتحقيقِ الفُروقِ بينَ الحُروفِ المتشابهةِ؛ فَوضَعَا النِّقَاطَ على الحروفِ، بِمِدادٍ يُشبهُ مِدَادَ الكتابةِ، لأنَّ نَقْطَ الحرفِ جُزءٌ منهُ، وقسّما الحروفَ إلى قسمينِ: حروفٍ مهملةٍ، وهي التي تُركَّبُ من غير نقطٍ، وحروفٍ معجمةٍ، وهي التي وَضَعَا لها النَّقْطَ. أمَّا الحروفُ المهملةُ فهي: أ، ح، د، ر، س، ص، ط، ع، ك، ل، م، هـ، و. وأمَّا الحروفُ المعجمةُ فهي: ب، ت، ث، ج، خ، ذ، ز، ش، ض، ظ، غ، ف، ق، ن، ي. أمَّا الإصلاحُ الثَّالثُ فقد اضطلع بهِ الخليلُ بنُ أحمدَ الفراهيديُّ، في العصر العباسيِّ الأوَّلِ، حيثُ استبدالُ النَّقْط الذي وَضَعَهُ أبو الأسودِ للدِّلاَلَةِ على الحركاتِ الإعرابيَّةِ بِعلاماتٍ ثمانٍ، هي: الفتحةُ والكسرةُ والضمَّةُ والسكونُ والشدَّةُ والمدَّةُ وألفُ الوصلِ والهمزةُ؛ فغدا من الممكنِ بعد هذا الإصلاحِ أن يجمعَ الكاتبُ بين شكلِ الكتابِ ونَقْطِهِ بِلَوْنٍ واحدٍ دون لَبْسٍ بينهما. ولمْ تنتشر هذهِ الطَّريقةُ بسرعةٍ، فقد كانت خاصَّةً بِكتابِ الله، ثمَّ بدأت تسيرُ جنباً إلى جنبٍ مع الإغفالِ والإهمالِ، فإذا دعت حاجةٌ للضبطِ نصُّوا عليه ونبَّهوا؛ من ذلكَ ما نقرأُ في كتبِ التُّراث:
تُؤدِّي: (بِالمثنَّاة الفوقيَّةِ)، أي أنَّ هذه الكلمة تُنطقُ بالتَّاءِ، وهي تُكتبُ بنقطتينِ فوقها.
يُؤدِّي: (بِالمثنَّاة التحتيَّةِ)، أي بِالياءِ.
جَرى: (بِحاءٍ مُعجمةٍ تحتيَّةٍ)، يقصدون الجيم.
عين: (مهملة بعدها معجمة تحتيَّة مثنَّاة). يقصدون العين، فالياء، وهكذا.
ثمَّ شاعت طريقةُ الشَّكل، والتزمَ بها الكتَّابُ فيما بعد في تآليفهم، ووجدت استحساناً وقَبُولاً في الأوساطِ العلميَّةِ، حتى قيلَ في لزومِ نَقْطِ الكتابةِ: ينبغي للكاتبِ أن يُعجمَ كِتابهُ، ويُبيِّنَ إعرابَهُ؛ فإنَّهُ متى جرَّدهُ عن الضبطِ، وأخلاهُ من الشَّكلِ والنَّقْطِ، كَثُرَ فيهِ التَّصحيفُ، وغَلَبَ عليهِ التَّحريفُ. وقيلَ أيضاً: لكلِّ شيءٍ نُورٌ، ونُورُ الكتابِ النَّقْطُ. كما قيلَ: أيّ كتابٍ لَمْ تُعجَمْ فُصولُهُ، استَعْجَمَ محصُولُهُ.
وقد رغَّبُوا في الشكلِ بكلامٍ لطيفٍ، من ذلكَ قولُهم: اُشْكُلُوا قَرائنَ الآدابِ، لئلاَّ تندَّ عن الصوابِ. ومن أقوالهم ً: إعجامُ الكُتبِ يمنعُ من استعجامِهَا، وشَكلُهَا يصونُ عن إشْكَالِهَا. ورحمَ اللهُ أحمد ابن إسماعيل الأنباري (ت 290 هـ) حيث يقول:
وكأنَّ أحرفَ خطِّهِ شَجَرٌ ... والشَّكْلُ في أغصانِهِ ثَمَرُه
والمنقوطُ من حروف الهجاءِ خمسةَ عَشَرَ حَرْفَاً، أمَّا علاماتُ الشَّكلِ فهيَ:
الفتحة: َ
الشدّة: َّ ُّ ِّ
الضمة: ُُ
الهمزة: أَ، إِ، ؤُ، ئِ، ئ، ء
الكسرة: ِِ
همزة الوصل:
?: (رأسُ صادٍ صغيرةٍ تُوضعُ فوقَ ألفِ الوصلِ)
السكون: ْْ
المدّة:
آ: (خطٌ يُوضع فوقَ ألفٍ مهموزةٍ، ممدودةٍ، محذوفةٍ، خَطَّاً).
ملحوظة:
لمّا كانت كلمةُ الإعجامِ تُطلقُ على النَّقْطِ والشَّكْلِ، فإنَّنَا نَستطيعُ أن نَقُولَ: إنَّ الحروفَ العربيَّة مُعجمةٌ، أو هي حُروفُ المُعْجَمِ، لأنَّها تُشَكَّل كُلُّهَا، وأغلبُهَا يُنَقَّطُ.
القواعد الأساسيَّة في الترقيم والإملاء والنحو والمعاجم/ د. يوسف السحيمات وزميليه، ط7. (طبعة محكَّمة).
ـ[سيبويه السكندرى]ــــــــ[23 - 07 - 2009, 12:43 ص]ـ
جزاكم الله خيرا على إثرائكم للموضوع
وأدعو الله أن يجعله في ميزان حسناتكم
ـ[البادي]ــــــــ[29 - 04 - 2011, 04:56 ص]ـ
الحركاتِ الإعرابيَّةِ بِعلاماتٍ ثمانٍ، هي: الفتحةُ والكسرةُ والضمَّةُ والسكونُ والشدَّةُ والمدَّةُ وألفُ الوصلِ والهمزةُ
همزة الوصل والقطع هل هما حركات ام أحرف؟
وأذا كانتا من الحركات
فكيف يجاب عن عدم أمكانة النطق بالكلمة بدونهما
وسؤال أخير مالمقصود بأن الألف " ليس لها صفة "؟
جزاكم الله خير