ـ[عائشة]ــــــــ[03 - 08 - 2010, 03:23 م]ـ
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
v كثيرًا مَّا نسمعُ من يقولُ في دُعاءِ المُصيبةِ: (اللَّهُمَّ أَجِرْنِي في مُصيبتي)؛ فيفتحُ الهمزةَ، ويكسرُ الجيمَ، ويجعلُ الفِعْلَ مأخوذًا منَ (الإجارة)؛ كما في قولِ الله -عزَّ وجلَّ-: ((فأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ)).
والجادَّةُ: أن تكونَ الهمزةُ ساكِنةً، والجيمُ مضمومةً؛ أخذًا من (الأَجْر)؛ فيُقالُ: (اللَّهُمَّ أْجُرْنِي).
ولعلَّ الخطأَ في نُطْقِ هذه الكلمةِ يعودُ إلى شُيوعِ كتابتِها علَى هذه الشَّاكلةِ، وإن كانَ الصَّوابُ أن تُكْتَبَ الهَمْزَةُ علَى واوٍ، وتُسْبَقَ بألفِ وَصْلٍ؛ علَى هذا النَّحْوِ: (اللَّهُمَّ اؤْجُرْنِي)؛ ذلك أنَّ كلمةَ (اللَّهُمَّ) لَيْسَتْ كالواوِ والفاءِ في شِدَّةِ اتِّصالِهما بما بعدَهُما؛ فلا تُلْحَقُ بهما في الحُكْمِ.
قالَ ابنُ قُتَيْبةَ -رحمه الله-في «أدب الكاتبِ»: (وتكتبُ ما كانَ مضمومًا نحو: (اُومُرْ فُلانًا بكذا) بالواوِ، فإن وصلتَها بواوٍ، أو فاءٍ؛ قُلْتَ: (فَأْمُرْ فُلانًا بالشخوصِ، وَأْمُرْ فُلانًا بالقدومِ)؛ فأسقطتَ الواوَ. فإن وصلتَها بـ (ثُمَّ)؛ لَمْ تُسْقِطِ الواوَ؛ فكتبتَ: (اُومُرْ فُلانًا ثُمَّ اؤْمُرْهُ) بالواوِ. وكذلك: (اللَّهُمَّ اؤْجُرْنِي في مُصيبتي) بالواوِ. فإن وَصَلْتَ بفاءٍ، أو واوٍ؛ أسقطتَ الواوَ، ولا تُسقطها مع (ثُمَّ). وفي المُصحَفِ: ((فَلْيُؤَدِّ الَّذي اؤْتُمِنَ أمانَتَهُ))، كُتِبَ علَى قَطْعِ (اؤْتُمِنَ) مِنَ (الَّذي). وكذلك القياس أن يُكْتَبَ كُلُّ حَرْفٍ عَلَى الانفرادِ، ولا يُنظَر إلى ما قبلَهُ ممَّا يُزِيلُهُ عَنْ حالِه إذا أَدْرجْتَ، فتغيِّره إذا اتَّصلَ بهِ. ولو كُتِبَ علَى الاتِّصالِ؛ لكُتِبَ بإسقاطِ الواوِ) انتهى.
وهذا ما يُفسِّرُ كتابة: (اللَّهُمَّ أْجُرْني) بإسقاطِ الواوِ؛ لأنَّها كُتِبَتْ -عندَ مَن كتبوها علَى هذا النَّحْوِ- علَى الاتِّصالِ. وقد سألتُ أحدَ أساتذتي -منذُ سنواتٍ- عن سببِ رَسْمِها كذلك؛ فأجابَني -جزاه الله خيرًا- بأنَّها رُسِمَتْ علَى نيَّةِ الوَصْلِ. وهو شائعٌ في رَسْمِ المُصحَفِ؛ كما في قولِهِ تعالَى: ((وَمَا أَنتَ بِهَادِ العُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ))، وقولِهِ -سُبحانَهُ-: ((وسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ المُؤْمِنِينَ أجْرًا عَظِيمًا))، وقولِهِ -عزَّ وجلَّ-: ((ويَمْحُ اللهُ الباطِلَ)). فبهذا يُمْكِنُ توجيهُ رسم (اللَّهُمَّ أْجُرْني) على هذا النَّحوِ. وقد تقدَّمَ بيانُ الصَّوابِ فيها. واللهُ تعالَى أعلمُ.
v ويلقانا في الرَّسمِ الإملائيِّ حُروفٌ زِيدَتْ في الكتابةِ؛ ولكنَّها لا تُنطَقُ. غيرَ أنَّا نَجِدُ مَن يُخطِئُ، فينطقُها؛ كقولِ بعضِهِمْ: (مَاءَة) في (مِائَة) -معَ مجيئِها في كتابِ الله تعالَى-، وكزيادةِ بعضِهم واوًا مديَّةً -في النُّطقِ- في آخِرِ (عَمْرو).
v وقد أدَّى حَذْفُ بَعْضِ الحُروفِ في الكِتابةِ إلَى أخطاءٍ في النُّطْقِ -كذلكَ-؛ فصِرْنَا نسمعُ مَن يقولُ في نَحْوِ: (محمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ): (محمَّد بِنْ عبد الله)، بكسرِ الباءِ، وتسكين النُّونِ.
عائشة
ـ[أم محمد]ــــــــ[04 - 08 - 2010, 07:58 م]ـ
مقال رائع! يا عائشة!
بانتظار المزيد.
لكن عندي استفسار، عن قول أستاذك الكريم:
فأجابَني -جزاه الله خيرًا- بأنَّها رُسِمَتْ علَى نيَّةِ الوَصْلِ. وهو شائعٌ في رَسْمِ المُصحَفِ
فهل نستعمل في إملائنا ونستشهد عليه بالرسم العثماني؟ أم أننا نستقل في ذلك عن ذلك؟
وجزاك الله خيرًا.
ـ[البدر القرمزي]ــــــــ[06 - 08 - 2010, 09:01 ص]ـ
لكن عندي استفسار، عن قول أستاذك الكريم:
فهل نستعمل في إملائنا ونستشهد عليه بالرسم العثماني؟ أم أننا نستقل في ذلك عن ذلك؟
وجزاك الله خيرًا.
الحقيقة إنَّ رسم المصحف له قواعده الخاصَّة به؛ وقديماً قال ابن درستويه: خطَّان لا يُقاسان ولا يُقاس عليهما: خطُّ المصحف، وخطُّ العروض.
ـ[عائشة]ــــــــ[06 - 08 - 2010, 02:53 م]ـ
أختي الفاضلة/ أمَّ محمَّدٍ
اعْلَمي -وفَّقكِ اللهُ- أنَّ رَسْمَ المُصْحَفِ يُمَثِّلُ صُورةً من صُوَرِ الكِتابةِ القَديمةِ، وما زِلْنَا -إلَى زمانِنا هذا- نتَّبِعُ كثيرًا من قواعدِه، ونكتُبُ كثيرًا من الكلماتِ وَفْقَ رَسْمِه، وإن كانَ في رَسْمِ بعضِها مُخالفة للقِياسِ؛ مثل: (لَئِنْ)؛ فإنَّ القياسَ فيها: (لَإِنْ)، ومثل: (لِئَلاَّ)؛ فإنَّ القياسَ فيها: (لأَن لا)، ومثل: (هؤلاء)؛ فإنَّ القِياسَ فيها: (ها أُلاءِ) [يُنظَر: الهمع: 6/ 310].
يقولُ د. غانم قدوري الحمد في كتابِه «رسم المصحف دراسة لُغويَّة تاريخيَّة 244»:
(ممَّا يُلاحظ علَى كلام علماء السَّلف أنَّهم يُشيرون -بادئ ذي بدء- إلَى أنَّ قواعد الرَّسم العثمانيّ قد جاءَت بصورة عامَّة مُوافقةً لقواعد الهجاءِ، إلاَّ أنَّ جملةً من ظواهره جاءت خارجةً علَى تلك القواعدِ، وهذا منهج مقلوب في دراسة القضيَّةِ؛ وذلك أنَّ الرَّسمَ العثمانيَّ ما هو إلاَّ النموذج الحقيقيّ لحالةِ الكتابة العربيَّة في الفترة الَّتي نُسخَتْ فيها المصاحفُ، وظلَّ النَّاسُ يكتبون وفقًا لما جرَى في المصحف فترةً طويلةً، إلاَّ أنَّ حِرْصَ علماء العربيَّة على تيسير القواعد الكتابيَّة -بعد ذلك الاستعمال الواسع للكتابةِ- جعلهم يسعونَ إلى توحيد قواعدِ الرَّسم العثماني؛ وفقًا لأصولهم الصَّرفيَّة، وأقيِسَتِهم النَّحويَّة، وظلَّت قواعد الرَّسمِ العثمانيّ هي العمود الأساسيّ في قواعد الهجاء العربيِّ الَّتي وَضَعَها علماءُ العربيَّة. وليس من المنطقيِّ، ولا من المنهج العلميِّ السَّديد أن نقيسَ ظواهر الرَّسم العثمانيّ بأصولٍ وقواعد جاءت لاحقةً لتاريخ وجود تلك الظَّواهر، ومعتمدة عليها في أكثر جوانبِها) انتهَى.
¥