ملتقي اهل اللغه (صفحة 3375)

ـ[عائشة]ــــــــ[09 - 02 - 2011, 08:07 م]ـ

الشيخ الفاضل / أبا إبراهيم

زادكَ اللهُ عِلْمًا وفَضْلاً وهِمَّةً، وتولاَّكَ بحِفْظِهِ ورعايتِهِ.

لستُ أملِكُ -الآنَ- جوابًا موثَّقا، وسأبحثُ -إن شاءَ اللهُ- عمَّا استفسرتَ، فإن وجدتُّ الجوابَ؛ أتيتُ به -بإذنِ اللهِ-، وإن لم أجِدْ؛ فأرجو أن تعذِرَني لقلَّةِ علمي، وضعفِ فهمي.

وشَكَرَ اللهُ لكَ.

ـ[عائشة]ــــــــ[13 - 02 - 2011, 08:24 ص]ـ

بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمدُ للهِ، والصَّلاة والسَّلامُ على رسولِ اللهِ.

إلى الشَّيخ الفاضلِ الكريمِ / أبي إبراهيمَ

سألتَ -حفظكَ اللهُ ورعاكَ-:

(هل يمكن أن يقال في مثل هذه الأمثلة:

إن ثبت أنَّ (قائلَ البيتِ) أراد إشباعَ الحركةِ، فلا يكون في البيتِ كسرٌ، فإن لم نعلم ذلك منهُ حَكَمْنا بأنَّ في البيتِ كسرًا؟

وكيف يُمكِنُ الرَّدُّ على مَن يقولُ بِاستِقامةِ ما وَرَد مِن (الكَفِّ) في أبياتِ المقدِّمة بالإِشبَاعِ؟) اه.

ولَمْ أعثُرْ علَى جوابٍ صَريحٍ في هذا؛ ولكنِّي سأنقلُ مِن كلامِ أهلِ العِلْمِ ما هُوَ مُتَّصِلٌ به -إن شاء اللهُ-، فأقولُ -ومِنَ اللهُ أستمدُّ التَّوفيقَ-:

ذَكَرَ العُلماءُ أنَّ إشباعَ الحَرَكةِ مِن ضرائرِ الشِّعْرِ؛ قالَ ابنُ عصفور في «ضرائرِه 32»: (ومِنْها: إشباعُ الحَرَكةِ، فينشأُ عنها حرفٌ من جنسِها) اه. ويلجأُ إليها الشَّاعِرُ حينَ يحتاجُ إلَى إقامةِ الوَزْنِ، أو إلَى التَّخلُّصِ من زحافٍ قبيحٍ؛ يقولُ ابنُ جنِّي في «الخصائص 2/ 317»: (ولهذا: إذا احتاجَ الشَّاعِرُ إلى إقامةِ الوَزْنِ؛ مَطَلَ الحَرَكَةَ، وأنشأَ عنها حَرْفًا من جنسِها، وذلك قوله:

* نفيَ الدَّراهيمِ تنقادُ الصَّيارِيفِ *

وقوله -أنشدَناه لابن هَرْمةَ-:

وأنت من الغوائلِ حينَ تُرمَى * ومن ذَمِّ الرِّجالِ بِمُنتزَاحِ

يُريدُ: بمنتزَحٍ، وهو مُفْتَعَل من النزح. وقوله:

وأنَّني حيثُ ما يَسْرِي الهوَى بَصَري * مِن حيثُ ما سَلَكوا أدنو فأنظورُ) اه.

ولكنْ: هَلْ يجوزُ للمُحدَثينَ مِنَ الضَّرورةِ ما جازَ للعَرَبِ؟

يقولُ ابنُ جنِّي في «خصائصِه 1/ 324»: (سألتُ أبا عليٍّ -رحمه الله- عن هذا، فقالَ: كما جازَ أن نقيسَ منثورَنا على منثورِهم؛ فكذلك يجوزُ لنا أن نقيسَ شعرَنا على شعرِهم. فما أجازَتْهُ الضَّرورةُ لهم؛ أجازَتْهُ لنا، وما حَظَرَتْهُ عليهم؛ حظرتْه علينا. وإذا كانَ كذلك؛ فما كانَ مِنْ أحسنِ ضروراتِهم؛ فليكُن مِن أحسنِ ضروراتِنا، وما كانَ مِنْ أقبَحِها عندهم؛ فليكُن مِن أقبحِها عندَنا، وما بَيْنَ ذلك؛ بَيْنَ ذلك) اه.

ونحنُ إذا نَظَرْنَا إلى إشباعِ الحَرَكةِ في الشِّعْرِ؛ وجدناهم يعدُّونَهُ من الضَّرائرِ المستقبَحةِ؛ يقولُ حازمٌ القرطاجنيُّ في «منهاج البلغاء»: (وأقبحُ الضَّرائرِ: الزِّيادةُ المؤدِّيةُ لِمَا ليسَ أصلاً في كلامِهِم؛ كقولِهِ: «أدنو فأنظورُ»؛ أي: أنظُر)؛ نقلَ ذلكَ عنه السيوطيُّ في «المزهر 1/ 189». وانظر: «همع الهوامع 5/ 333» -لهُ-.

وقد حكمَ أبو العلاءِ المعريُّ علَى مثلِ هذه الزِّياداتِ بأنَّها شواذّ ونوادِر؛ قالَ في «رسالة الملائكة 215»: (وما أعتقِدُ أنَّ شاعرًا قويًّا في الفصاحةِ يُريدُ مثلَ هذه الزِّياداتِ؛ وإنَّما هي شواذّ ونوادِر، وقد يجوزُ أن ينطِقَ بها غيرُ فصيحٍ؛ لأنَّ البيتَ إذا قالَه القائِلُ؛ حملَه الرَّاشِدُ والغويُّ، ورُبَّما أنشدَه مِنَ العربِ غيرُ الفصيح؛ فغيَّرَه بطبعِه الرَّديءِ) اه.

ولعلَّ ابنَ الجَزَريِّ لَمْ يقصِدِ الإشباعَ؛ لأنَّه لَوْ قصدَ الإشباعَ؛ لوَجَبَ أن يكتُبَ الحَرْفَ الَّذي نشأَ عن إشباعِ الحَرَكةِ؛ هكذا: (شُوعَرَا)، (صِيفة) ... إلخ؛ يدلُّ علَى هذا ما قالَهُ المعريُّ في «رسالة الصَّاهل والشَّاحج 477»: (وأمَّا قولهم: «أنظُورُ» -يُريدونَ: أنظُر-؛ فيُقالُ: إنَّها لغةٌ لطيِّئ؛ قالَ الشَّاعِرُ:

اللهُ يعلمُ أنَّا في تحمُّلِنا * يومَ الرَّحيلِ إلى أحبابِنا صُورُ

وأنَّني أينما يَثْنِي الهوَى عُنُقي * من حيثما يَمَّموا أدنو فأنظورُ

وأمَّا قول الوليد بن يزيد:

إنِّي سَمِعْتُ بلَيْلٍ * نحوَ الرُّصافةِ رَنَّهْ

خرجتُ أسحبُ ذَيْلي * أنظورُ ما شانُهُنَّهْ

إذا بناتُ هشامٍ * يَندُبْنَ سَيِّدَهُنَّهْ

يندبْنَ شيخًا كريمًا * قد كان يُكرِمهُنَّهْ

فإنَّه في كتاب إسحاقَ بن إبراهيمَ: «أنظُرُ ما شأْنُهُنَّهْ» بغيرِ واوٍ، فإن صحَّت الرِّوايةُ؛ فهو كسرٌ على رأيِ الخَليل، ولن يخفَى قُبْحُهُ في الغريزةِ، وإنْ أُنشِدَ بالواوِ -على اللُّغةِ الطَّائيَّةِ-؛ فالوَزْنُ صحيحٌ) اه.

وانظُر: «رسالة الملائكة 218» -لهُ-.

ويدلُّ علَى ذلك -أيضًا- ما قالَه أبو عليٍّ القيسيُّ في «إيضاح شواهد الإيضاح 383» -تعليقًا علَى قولِ الشَّاعِرِ: «علَى ما قامَ يشتمُني لئيمٌ» -: (ويَحتَمِلُ أن يكونَ حذَفَها [الألف] صنعةً، ثُمَّ أشبعَ الفتحةَ؛ لصحَّةِ الوَزْنِ)، ثُمَّ قالَ: (فإذا كانَ كذلك؛ وَجَبَ أن تُكْتَبَ «علَى ما» بالألفِ؛ لأنَّه أرادَ «علامَ»، فأشبعَ الفتحةَ) اه.

ولذا: أرَى أنَّ الحُكْمَ علَى أمثلةِ «الجزريَّة» بأنَّ فيها كسرًا= أَوْلَى مِنْ حَمْلِ ذلك علَى الإشباعِ.

والله تعالَى أعلمُ.

وأرجو ألاَّ أكونَ قد ابتعدتُّ كثيرًا عن الاستفسارِ؛ ولكنَّني استفدتُّ -حقًّا- من مدارستِكَ النَّافعةِ؛ فجزاكَ الله خيرًا، وأحسنَ إليكَ.

وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلَى آلِهِ، وسلَّم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015