ملتقي اهل اللغه (صفحة 3098)

أولُ فُروع المنهج التَّكْميليَّة الجِدَّةُ أو النقص، وعَلامتُه التَّنْبيهيَّة تَبَيَّنْ؛ إذ ربما بَذَلَ الباحث من وُسْعِهِ وعمره، ثم ذهب ما بذله أدراجَ الرياحِ هَباءً منثورًا، حين يطلع فجأة أو يتجلى لغيره أنه مسبوق إلى مسألته، وأنه إن لم يكن سرقها فلم يزد على أن كَرَّرها أو كَدَّرها!

لقد ينبغي للباحث أن يَتبيَّنَ أولًا أنَّ المسألة التي سيجعل فيها بحثه، جَديدةٌ لم يُبْحَثْ عنها مِنْ قبلُ، أو ناقصةٌ لم يكمل بحثها؛ فإنْ يَستصعبْها جديدةً يَستسهلْها ناقصةً. ولا غِنَى به في تَبيُّن ذلك عن تفتيش خزائن المسائل بالمعاهد العلمية وهي متاحة الآن ورقيةً ورقميةً، ولا عن سؤال أهل العلم المتحققين المُتحرِّجين.

وإن من فِطْنة الباحث أن يعثر للمسألة القديمة على وجه جديد يوجهها عليه ويبحث بها عنه، حتى لَيَرَى المتلقون أنْ لو لم يبحث بحثه لَخَسِروا عملًا مفيدًا مُهمًّا. وليس أعون له على ذلك من مُلْتَقَيَاتِ العلوم المختلفة؛ فأكثر الباحثين مُشغولونَ بالمسائل التي يَستقلّ بها كلُّ علم من العلوم القديمة المستقرة الحدود، فأما مسائلُ العلوم الجديدة المتحرِّكة الحدود التي تَشتجِرُ فيها علومٌ مختلفة، فلا يَصْمُدُ لها إلا أهل العزم من الباحثين.

?

"حَدِّدْ=الْكِفَايَةُ وَالِانْحِصَارُ=2"

ثاني فُروع المنهج التَّكْميليَّة الكفايةُ والانحصارُ، وعَلامتُه التَّنبيهيَّة حَدِّدْ؛ إذ ينبغي للباحث أن يحدد مادة بحثه بحيث تنفرش على فضائه وتنحصر بحدوده، أي أن تملأ أَقْطارَه بلا إفراط ولا تفريط.

إنَّ في انخداع الباحث لكثرة مادته مَهْواهُ في هُوَّةِ الإفراط، والإفراط إسرافٌ، والإسرافُ سَفَهٌ. وإن في انخداعه لقلة مادته مَهْواهُ في هُوَّةِ التفريط، والتَّفْريط تَقْصيرٌ، والتَّقْصيرُ عَجَزٌ.

وعلى حسب شروط البحث مَدًى وسعةً وعُمقًا، ينبغي للباحث أن يُحدِّد مَادته؛ فلا مِراءَ في اختلاف شُروط أبحاث الماجستير والدكتوراة وما قبلهما وما بعدهما، ومن ظن أنه يَتفضَّل على المتلقين بإقامة أحد هذه الأبحاث على مادة غيره، فقد أخطأ، ومَنْ أخطأً لم يَستحقَّ التقديرَ، وإنْ أَهلَكَ نفسَه!

?

"آمِنْ=اتِّصَالُ الْمَسِيرَةِ=3"

ثالثُ فُروع المنهج التَّكميليَّة اتصالُ المَسيرةِ، وعَلامتُه التَّنْبيهيَّة آمِنْ؛ إذ ينبغي أن يَستقرَّ في وعي الباحث استقرارَ العقيدة في قلب المؤمن، أنَّه أحد أبناء هذه السبيل السائرين على الدرب، لا يعمل وحده.

وعلى رغم اشتغالنا هنا بالبحث العلمي الصحيح الذي يُحافِظ فيه الباحثُ على تراث غيره من الباحثين، فيستوعبه، ويعرضه، وينقده، ويضيف إليه مؤمنا بأنه تراث متراكم يصل إليه ثم يستمر به- لا نرى البحث العلمي الرائع يَنْخَلِعُ الباحثُ فيه من تراث غيره.

ربما تَوهَّمَ بعضُ الباحثين أَلَّا إبداعَ إلا بالانخلاع من السبيل ومن أبنائها جميعا، وهَيْهَاتَ! ما أَبْعَدَ ما انْتَجَعَ! وما أَشْبَهَهُ بمن يريد الانخلاع من إرث طبيعته! كيف وهو إن تَنَفَّسَ فَبِزَفِيرِهِمْ يَتنفَّسُ، وإن تَحدَّثَ فَبِكَلامِهِم يَتَحدَّثُ!

?

"تَخَيَّرْ=نَوْعُ الْمَصْدَرِ=4"

رابعُ فروع المنهج التكميلية نَوْعُ المصدر وصحتُه وزمنُه، وبحسبنا الآن نَوْعُه، وعلامته التنبيهية تَخَيَّرْ؛ إذ ينبغي للباحث الذي تَبيَّن مسألتَه ألا يغفل عما تحتاج إليه من مصادر ملائمة مسموعة أو مقروءة أو ملموسة أو مشمومة أو مشهودة أو مركبة.

كيف لمن يبحث عن حقيقة مسألة شفاهية أن يتخير لها مصادر كتابية، والعكس بالعكس! أم كيف لمن يبحث عن حقيقة مسألة فنية أن يتخير لها مصادر علمية، والعكس بالعكس! أم كيف لمن يبحث عن حقيقية مسألة شعرية أن يتخير لها مصادر نثرية، والعكس بالعكس! وهلم جرا ...

ومِن شُجون هذا المقام اضطرابُ الباحثين من قديم إلى حديث في ملاحق أبحاثهم بين المصادر والمراجع والمجلات والدوريات والمخطوطات والأقراص المدمجة والمواقع الإنترنتية إلى آخر ما كان ويكون، وما مِنْ مُضْطَرب؛ إذ هي كلها إما مصادر نبعت منها مادة المسألة، وإما مراجع تَردَّد فيها كلام باحثين آخرين عن حقيقة هذه المسألة، وما سوى هذا مظاهر نشر لا أثر لها في تمييز المنشور.

?

"تَخَيَّرْ=صِحَّةُ الْمَصْدَرِ=4"

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015