ملتقي اهل اللغه (صفحة 3096)

أما البحث العلمي الرائع فلا موضع له هنا؛ إذ لا يُعلِّمه المعلمون، بل يُفاجَأُ به المتلقون جميعًا مُعلِّمين ومُتَعلِّمين، فإذا أعجبهم، فتمسَّكوا به، وضبطوه، وعلَّموه- فَقَدَ رَوْعَتَه!

وليس أَشْبَه بالبحث العلمي الصحيح مِنَ الحِصانِ الإِنْسيِّ المُستأنَس، ولا أَشْبَه بالبحث العلمي الرائع منَ الحِصان الوَحْشيِّ المُسْتوحَش؛ فلا نَرْكَبُ إلا الأول، وإن انْبَهَرْنا بالثاني!

?

"ابْنُ سَبِيلٍ"

ربما اهتدى بعضُ طلاب العلم إلى ما يلائمه مما يستطيع إذا ما بذل فيه وُسْعَه، أن ينتفع به وينفع غيره ويتقدم به إلى الأمام، في رحلة الحياة هذه الجبلية الصعبة التي لا تتكرر. ولكنَّ أكثرَ طلاب العلم لا يستغنون عن تنبيه من حولهم آباءً وإخوةً وأساتذةً وزملاءَ ...

يُولَدُ أبناؤنا بمواهب واحدة معروفة على اختلاف استعداداتهم بينها، فإذا نُبِّهوا أو انْتَبَهُوا إلى ما لهم فيه استعدادٌ وأُعِينوا عليه كانت لهم فيه قُدْرَةٌ ثُمَّ مَهَارَةٌ ثُمَّ إِبْدَاعٌ، وإلا خَبَتْ جَذْوَةُ الاستعداد، وجَفَّتْ زَهْرتُه، وفقدوا مواهبهم فيه من أصلها.

وإذا أَخْطَؤُوه إلى غيره وأُعِينوا عليه كانت لهم فيه قدرة، ولم يكد يكون لهم فيه مهارة، واستحال أن يكون لهم فيه إبداع. ولَكَنَّاسُ شَوارعَ مُبْدِعٌ أَهَمُّ لنا وأفضل عندنا وأحب إلينا من أستاذ جامعات غير مبدع، ولا سيما في زماننا هذا المفتون بالقُمامات، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

?

"عِلْمٌ"

لن يكون بحثٌ ولا منهجٌ، حتى يكون عِلْمٌ؛ ففيه سيكون البحث والمنهح. ولن يَتَعَرَّفَ أيُّ ابنِ سبيل حتى يهتدي إلى علمٍ يَنقطعُ له حتى يستوعب قطعة منه كبيرة، يقف منها على أرض ثابتة.

فإذا اهتدى أيُّ ابنِ سبيل إلى عِلْمٍ ملائم وجب أن يجتهد في تحصيله على كل وجه. وربما كان الوجهُ الرَّسْميُّ أَجْدَى عليه، وربما لم يكن؛ فما أَكْثَرَ المعاهدَ العلمية، وما أَقَلَّها!

ولا غِنَى له عن تحديد مَظانِّ هذا العلم الملائم وتنظيم أَوْرَادِ استيعابها على مَنَادِحِ ليله ونهاره؛ فأَصْعَبُها لِأَقْواها، وأَسْهَلُها لِأَضْعَفِها، وأَوْسَطُها لِأَوْسَطِها.

وكلُّ مُجْرٍ في الخلاء مَسرورٌ بما يُسابِقُ نفسَه؛ فمن ثَمَّ ينبغي أن يُذاكِرَ في هذا العلم غيرَه؛ ففي المُذاكرة تَلْقِيحُ الألباب، يَطْرَحُ ما عنده، ويَطْرَحُ غيرُه، فيَتبيَّنُ له مَبْلغُ ما حَصَّل، ويدُ الله مع الجماعة.

?

"أ=مَسْأَلَةٌ"

أَوَّلُ أصول المنهج التأسيسية مَسْأَلَةٌ لا تَنْبُتُ لسائلها إلا في منبتها الصالح أي العلم الذي حَصَّلَه، دَلالةً عليه؛ فليس أدلَّ على العلم من الأسئلة التي يثيرها، وأعظمُ العلوم وأخلدها أكثرُها إثارةَ أسئلةٍ، فأما أكثرُها إجابةً فيُوشك أن يُكتَفى منه ويُستغنَى عنه.

وكلمة مَسْأَلَة في علم الصرف من باب المصادر، تُصنَّف على أنها مصدر مِيميّ يبالغ به في معنى المصدر الصريح ثم يبالغ فيه بزيادة تاء الجَماعة؛ فهي إذنْ مُبالغةٌ في مُبالغة؛ ومن ثَمَّ ينبغي ألا تُطلَق إلا على ما تكثر فيه الأسئلةُ كثرةً كاثرةً أو ما يُنزَّل هذه المنزلة.

يجوز أن يُكلِّفَ الباحثَ المسألةَ مَنْ لا يَعْصِيه، فيَحْمِلَها. ويجوز أن يَجِدَها ظاهرةً مطروحةً في الكتب والمحاضرات والمناظرات، فيَختطِفَها. ويجوز أن يَفْتَقِدَها، فيَستنبِطَها. ولكن إذا دلّت الحال الأولى على بِرِّه، ودلّت الحال الثانية على فَتْكِه- فلقد تدُلّ الحال الثالثة على عَقْلِه!

?

"ب=مَصَادِرُ"

ثاني أصول المنهج التأسيسية مَصَادِرُ تنبُع منها المسألة وتصدر عنها. وعلى حسب هذه المسألة تكون المصادر، كما على حسب هذه المصادر تكون المسألة، ولا مُعْضِلَةَ!

رُبّما غَمَضَ مَجيءُ المصادر في الأصول بعد المسألة التي إنما نبعت منها وصدرت عنها، حتى يتضح أن للمصادر عَمَلَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ على فترة: أولُهما فيما يَطلُبه أيُّ ابن سبيل من علم أَوَّلِيٍّ يُثير أسئلتَه، وثانيهما فيما يَطلُبه من جواب المسألة التي ينقطع لها دون غيرها.

ولقد ينبغي التنبيه على أن حال المصادر في عملها الثاني غير حالها في عملها الأول؛ فإنها إن تكن في الأول عَفْوِيَّةً عامَّة تثير أسئلة كثيرة مختلفة وتجيب بعضها دون بعض، فهي في الثاني قَصْدِيَّةٌ خاصَّة تثير المسألة المختارة وتجيبها.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015