ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[11 - 02 - 2014, 10:16 ص]ـ
الغول والدوبيت
كم كان الخليلُ رحمه الله تعالى عظيماً عندما وضع موازين البحور وتفاعيلها. لقد استطاع بعبقريته الفذّة أن يصلَ إلى أفضل صيَغٍ لهذه الموازين، فلم يستطع أحدٌ بعده أن يتجاوزَها إلى صيغٍ أخرى، على الرغم -ربما- من مشروعية بعضها، كمحاولة القرطاجنّي لتفعيل البحر المضارع، والبحر المنسرح، وبحر المخلّع ..
كما لم تصل محاولاتُ العروضيين بعد الخليل في تفعيل بعض البحور الجديدة، (كالخبب والدوبيت)، إلى ذلك المستوى الناضج من التفعيل الذي أسسه الخليل للبحور الأخرى ..
فاستقرّ عمل الخليل وتفعيله، واستمرّ التنازع والخلاف على تفعيل غيره إلى اليوم ..
ففي تفعيل (بحر الخبب) الذي يقوم على (فعْلن فعْلن ..) خلط العروضيون في تفعيله بينه وبين البحر الخليلي المهمل: (المتدارك)، شقيق المتقارب في دائرته، والذي يقوم على (فاعلن فاعلن ..)، فجعلوهما شيئاً واحداً رغم تمايزهما ..
وتاه العروضيون في تفعيل بحر (الدوبيت) تَوْهاً عجيباً، وذهبوا فيه مذاهب شتّى، دون أن يستجِيبَ أيّ منها لأشكال الزحاف والتغيير التي تصيبه في واقع الشعر، كما فصّلْتُ ذلك في كتابي عن الدوبيت.
وقد عملتُ في كتاب الدوبيت المذكور على عرض ونقد جميع الصيغ المقترحة لتفعيل الدوبيت، مُظهِراً عدم قدرتها على قبول كل أنواع الزحاف التي يتطلبها ذلك الوزن.
كما عملت على اقتراح تفعيلٍ جديد ينسجم مع جميع أشكال الزحاف والتغيير الذي يُصيب هذا الوزن.
...
وفي تفعيل (الدوبيت) أيضاً، انتشرت على أثير الشابكة محاولةٌ، للأستاذ غالب الغول، بثّها صاحبها على العديد العديد من المواقع الإلكترونية، داعياً العروضيين إلى اتخاذها نبراسَهم، ومشنعاً عليهم عدم معرفتهم بها طيلة هذه القرون الممتدة في عمر العروض!
ونظراً إلى أن الأستاذ الغول قد أوحى في كل ما كتبَ أنه يردّ على كتابنا (الدوبيت)، والذي لا أعتقد أنه قرأه، وإنما قرأ مقالة قصيرة عنه منشورة على الشابكة .. أو عرضاً للكتاب صاغه قلم الأستاذ خشان خشان، فقد طلب إليّ أكثر من صديقٍ أن أردّ على آراء الغول الدوبيتية، والتي لقيت بعض الأصداء الباهتة حولها.
والحقيقة أنني لم أجد فيما كتبه الغول ما يرقى به إلى مستوى البحث العلمي الجاد، الذي يتخذ المنطق والبرهان مركباً له، على الرغم من ادّعائه ذلك، ولا جديداً يُرَدّ عليه، يزيد عما أوردناه في كتابنا (الدوبيت).
وجلُّ ما في الأمر هو محاولته المستميتة واليائسة لإثبات عروبة هذا الوزن، ونفي الفارسية عنه، وذلك بقسره الدوبيت على دخول حظيرة بحرٍ مهملٍ يقوم على تكرار التفعيلة (مفعولاتُ) ثلاث مرات، ونظراً إلى أن (مفعولاتُ) هذه تفعيلة عربية خليلية، فلا بد أن يكون الدوبيت وزناً عربياً كما يظن!!
فهل يجوز أن نحمل وزنَ (الدوبيت) على تكرار التفعيلة (مفعولاتُ) ثلاث مرات؟
...
لقد كان من الخطأ والخلل العروضي التأصيلي الذي وقعَ فيه عروضيون كبار كأبي الحسن العروضي، وأبي نصر الجوهري، قَسْرهم (الخببَ) على دخول حظيرة البحر الخليلي المهمل: (المتدارك)، على الرغم من تمايز إيقاعيهما ..
وكذلك قَسْرهم (الدوبيت) الذي أثبتنا قيامه على السياق: (فعْلن فعْلن مستفعلن مفعولن) على دخول حظيرة (الرجز) تارة، و (الوافر) أخرى، و (الرمل) ثالثة، بل ودخول حظيرة بحرٍ صافٍ مُهمَل، يقوم على تكرار تفعيلة: (مفعولاتُ) ثلاث مرات! وقد بيّنا خلل ذلك وعواره كله في كتاب الدوبيت.
والخطأ الذي أشرنا إليه يتمثل في اشتراطهم إعلالَ بعض التفاعيل الحشوية لزوماً، لكي يتطابق الوزن الواقعي مع ما افترضوه له من تفعيل ..
حيث أوقعوا في (الخبب) علةَ (القطْعِ) على (فاعلن) عندما رأوها تردُ في الحَشوِ على (فعْلن)، وهي علةٌ لا تردُ إلا في الضروب كما هو معلوم.
كما قسروا (مفعولاتُ) في الدوبيت على اتخاذ شكلٍ زحافيٍّ واحدٍ يجب التزامه دون الأصل.
وكان بعض المعاصرين قد ردّ وزن الدوبيت إلى مثل هذا الأصل، وإن أظهره بتفعيل مختلف ..
¥