ـ[محمد تبركان]ــــــــ[24 - 03 - 2014, 12:17 م]ـ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مِن آفات الكتابة
مِئَةٌ لَا مِائَةٌ: لقد درجَ أكثرُ النّاطقين بالضّاد من العامّة، وبعض الخاصّة، على لفظِ كلمة (مِئَة) بفتح الميم مع زيادة الألف بعدها، كذا (مَائَة)،وهما – لعمري [1] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_edn1) - خَطآن لا تكاد تسمع أحدًا ممّن يُظنّ به أنّ له في العلم سابقة إلاّ لَفَظَهُ خَطَأً، ورَسَمَهُ غَلَطًا؛ وما ذلك إلاّ مجاراةً لإلف العادة، من غير بَصَرٍ، ولا إمعانِ نَظَر في مَلفُوظ لسانه، ومَرْقُوم يَراعته؟!،بل حتّى مصادر اللّغة العربية، لم تخل من هذا الغلط [2] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_edn2)، ولك أن تتبيّن شيئًا من ذلك في:
v لسان العرب (15/ 269 - 271).
v المصباح المنير (349 ع2).
v مختار الصحاح (ص613 ع1).
v أساس البلاغة (ص 221، 382، 419).
v فصيح ثعلب (ص103).
v المعجم الوسيط (ص107 ع2،وص852 ع2،وص1040 ع3).
ولولا الغَيرة على هذه اللّغة الشريفة، لغة الوحيين، واللِّسان المبين عن مراد ربّ العالمين، لما أرهقت النّفس، فيما تلوكه الألسنة من الغلط، وترقمه الأكفّ من الشَّطَط. هذا و (العربية) كامنٌ حبُّها في شَغاف القلب؛ فبها تعرّفنا تاريخ الأسلاف، ومن روافدها نهلنا علوم الأشراف.
فتصّور – يارعاك الله – مدى الضّرر البالغ، والخطر السّابغ، إذا غُضَّ الطّرف عن هذا الغلط، وأمثاله، فلم يُبيّن، ولم يُكشَف عُواره لأبناء العروبة، النّاشئين في أحضان الضّاد!.
وهذا أوان الكشف عن الغلط في مَرسوم لفظة (مِئَة)،وملفوظها.
فأقول: إنّه غَلَطٌ قديمٌ، انبنى على أساس سليم إبّان حقبة من الزّمن، كان أهلها أهل عذر، ومحلّ فضل وشكر.
أمّا كونه غلطاً قديماً، فذلك راجع إلى فترة جمع القرآن الكريم ثمّ تدوينه في مصحف جامع زمن الخليفة الرّاشد عثمان بن عفّان t. فقد رُسِمَت فيه [3] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_edn3) لفظة (مِئَة) بالألف [4] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_edn4)، وكذا لفظة (مِائَتَيْن).وكانوا حينها لا ينقطون، ولا يشكلون؛ احترازًا من الوقوع في اللَّبس الحاصل من الشَّبَه بين هذه اللّفظة (مِئَة)،وبين ما يُشاكلُها في الرّسم من الكلمات العربيّة، مثل كلمة: (فِئَة)،و (فيه) و (منه) ...
فطردًا لهذا الإشكال، وصيانة لكلام الله من وقوع اللّحن فيه؛ حال قراءته ومدارسته، زيدت الألف في لفظة (مِئَة)؛فصارت (مِائَة).يؤيِّد هذه المقالة تقريرات بعض الأعلام فمنهم:
1. الآلوسي في روح المعاني (7/ 19 /84 سورة النّمل) قال – رحمه الله - نقلاً عن ابن خلدون في مقدمة تأريخه [5] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=5#_edn5):" إنّ الكتابة العربية كانت في غاية الإتقان والجودة في حِمير ومنهم تعلّمها مُضَر إلاّ أنّهم لم يكونوا مجيدين لبُعدهم عن الحضارة، وكان الخطُّ العربي أوّل الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الإتقان والجودة وإلى التوسُّط؛ لمكان العرب من البداوة والتَّوحُّش، وبُعدهم عن الصّنائع. وما وقع في رسم المصحف من الصّحابة رضي الله تعالى عنهم من الرّسوم المخالفة لما اقتضته أقيسة رسوم الخط وصناعته عند أهلها، كزيادة الألف في (لَأَاْذْبَحَنَّهُ)؛من قِلّة الإجادة لصَنعة الخط. واقتفاءُ السّلف رسمَهم ذلك من باب التَّبرُّك ... ".
2. الزّرقاني في مناهل العرفان (1/ 255) قال – رحمه الله -:" ب - رسم المصحف: رسم المصحف يُراد به الوَضعُ الذي ارتضاه عثمان t في كتابة كلمات القرآن وحروفه، والأصل في المكتوب أن يكون موافقًا تمامَ الموافقة للمنطوق من غير زيادة ولا نقص ولا تبديل ولا تغيير، لكنّ المصاحف العثمانية قد أُهمِل فيها هذا الأصلُ فَوُجِدَت بها حروفٌ كثيرةٌ جاء رسمُها مخالفًا لأداء النُّطق؛ وذلك لأغراضٍ شريفةٍ ظهرت وتظهر لك فيما بعد ... ".
3. ابن قتيبة في أدب الكاتب (ص200 - 201):" باب ما زيد في الكتاب: ... ومائة زادوا فيها ألفًا ليفصلوا بها بينها وبين منه، ألا ترى أنّك تقول: أخذتُ مِائَةً وأخذتُ مِنه. فلو لم تكن الألف لالتبس على القاريء ".
¥