وهناك حقيقة مفادها ان تأليف الكلام المنظوم والكلام المنثور عند العرب لم يتأثروا بما لدي الأدباء اليونانيين ولم يكن له أثر علي نتاجهم الأزلي إذ ليس في شعرهم أثر لما عرف عند اليونان من فنون الشعر ولا تري فيه إشارة للإلياذة أو الأوديسا ولا بغيرهما من الشعر التراجيدي أو الشعر الكوميدي، ولم تظهر محاولة مجدية أو غير مجدية في تأليف شعر ملحمي أو شعر مسرحي في العصر الذي عرف فيه العرب أدب الإغريق، ومن هنا يمكن الحكم المطمئن بأصالة الأدب العربي واستقلاله.
كما نقول بتأثر العصر العباسي بما صاحب ذلك العصر من توسع في المعارف والاطلاع على الحضارات الأخرى , ولكن لا نقول أن هذا الإطلاع هو أساس التفكير الأدبي لدى العرب.
بوركت
ـ[دقي جلول]ــــــــ[08 - 12 - 2008, 10:03 ص]ـ
دقي جلول-جامعة أبو بكر بلقايد - تلمسان-الجزائر-
جذور البلاغة العربية في مؤلفات النقاد العرب
ظل الاعتقاد السائد لدى الكثير من الباحثين- وحتى منتصف القرن العشرين- أن بعض المفاهيم والمصطلحات البلاغية تمتد في جذورها إلى البلاغة العربية، إذ أن المصنفات البلاغية وما أكثرها لم تكن تحمل في ثناياها موضوع تأثّر البلاغة العربية بالفكر الأجنبي، وهو ما أشار إليه أبو هلال العسكري بقوله: " ... ولم يشر أحد المؤلفين العرب -كما قرأنا- موضوع تأثرها بأي فكر أجنبي قبل هذا التاريخ") (، غير أن الدراسات المتأخرة التي تناولها بعض الدارسين أثبتت تأثر البلاغة العربية بالفلسفة اليونانية، وبالأخص تلك الآراء التي جاء بها أرسطو. ويُعزى ذلك حسب رأيهم إلى الحركة اللغوية التي شهدها العرب في تلك الفترة، إذ ترجم العرب عدد كبير من مؤلفات التراث اليوناني، وقد شملت هذه المؤلفات مختلف الميادين والعلوم اللغوية العربية وعلى رأسها البلاغة العربية، كما سمحت هذه المؤلفات للرواد العرب من النهل من مصادرها، والتأثّر بما جاء فيها، ويُعدّ عبد القاهر الجرجاني واحدا من هؤلاء، إذ تأثّر ببلاغة اليونان بعد تسرّب الكثير من المسائل الفلسفية إلى فكره، وظهر ذلك بصفة جلية في كتابه: "دلائل الإعجاز". إذ يكتشف متصفحه وجود كثير من الآراء التي يستمد فكرتها من الكتابات التي جاء بها أرسطو، ويلمس مدى انعكاسها على كتاباته، وكان عدد من الباحثين قد "أشاروا إلى انتفاع عبد القاهر ببعض أراء أرسطو خاصة فيما كتبه في كتابه: "فن الشعر "عن أقسام الكلمة، والفروق بينها، والمقاطع والحروف والأصوات، وغيرها من المسائل التي رآها ضرورية في البلاغة" (). ولقد كان حسن الاقتباس عند لجرجاني مثار الإعجاب حتى قال عنه طه حسين:"لا يسع من يقرأ دلائل الإعجاز إلا أن يعترف بما أنفق عبد القاهر فيما حاول توفيقا يدعو إلى الإعجاب". () وفي نفس الفكرة دائما وفي موضع آخر حول تأثّر عبد القاهر بالفلسفة اليونانية يقول:"صنّف عبد القاهر كتابين يعتبران بحق أنفس ما كتب في البيان العربي، هما: "أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز"، فعندما نقرأ أولهما نكاد نجزم بأن المؤلّف قرأ الفصل الذي عقده ابن سينا للعبارة، وأنه فكّر كثيرا وحاول أن يدرسه دراسة نقد وتحميص" ().
يذهب الدكتور طه حسين تأثّر عبد القاهر بالبلاغة اليونانية، وبالأخص للإطار البلاغي الأرسطي، وكان من نتيجة هذا التأثر إتباعه لمسالك وعرة وأساليب جافة ظهرت في منهجه، ولاسيما في طول الجملة، فضلا عن وجود بعض المصطلحات الغامضة بين ثنايا كتابه، مما جعل أسلوبه يميل إلى التعقيد، وهذا ما يُعاب عليه" عِيبَ على عبد القاهر أسلوبه الجاف الذي يميل إلى التعقيد أحيانًا كثيرة في كتابه دلائل الإعجاز، ولعلّ السبب في ذلك كما يرى محمود شاكر أنّه كان مهتمًا بنقض آراء القاضي عبد الجبار صاحب المغني، وطائفة من المعتزلة في مسألة اللفظ" ().
¥