ملتقي اهل اللغه (صفحة 3050)

ذكره حكماء اليونان في حصر المعاني وينتهي إلي ان الناظم والناثر لا يحتاجان إلي معرفة شيء منها وان شعراء اليونان أنفسهم لما نظموا ما نظموه من أشعارهم لم ينظموه وقت نظمه وعندهم فكرة في منطق أرسطو وتعاليمه. ومن الآثار العربية في البلاغة والنقد التي يظهر فيها شيء من آثار التفكير الأدبي عند اليونان كتاب (البرهان في وجوه البيان) الذي ألفه أبو الحسين إسحاق بن إبراهيم بن وهب الكاتب ويبدو فيه أن صاحبه واحد من المتكلمين الذين حذقوا علم الكلام ومارسوا الجدل والمناظرة ووقفوا علي آثار اليونان في المنطق والجدل وفي الشعر والخطابة والكتاب يحوي علي إشارات كثيرة تدل علي الإطلاع والمعرفة ثم علي قدرة بارعة في تعريب الفكرة ودعمها بالفكرة العربية وتأثيرها بروائع الشواهد من المأثور من القرآن والحديث وعيون الأدب العربي.

ومن أقوي الأدلة علي ذلك الفصل الذي عقده للكلام في الجدل والمجادلة وفيه شيء من آراء ارسطو وأسلوبه المنطقي ويعرج ابن وهب إلي القول بعد ذلك ان المجادل لا يعد في المجادلين الحذاق حتي يكون يحسن بديهته وجودة عارضته وحلاوة منطقه قادراً علي تصوير الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق، وتلك فكرة السفسطائيين الذين لا يرمون إلا إلي الغلبة والانتصار علي الخصم بالقدرة البيانية من غير مراعاة لجانب الحق أو العدل، وقد أتهم سقراط بأنه كان يعلم تلاميذه كيف يجعلون الباطل حقاً والحق باطلاً وقد ردد هذا الرأي قبل أبن وهب عبد الله بن المقفع الذي عرف البلاغة بأنها (كشف ما غمض من الحق وتصويره الحق في صورة الباطل).

ولا تتضح الإفادة من الفكرة اليونانية في أي أثر من آثار التفكير البلاغي والنقدي عند العرب كما تتضح في كتاب (نقد الشعر) لقدامة بن جعفر وكتاب (البرهان في وجوه البيان) لابن وهب وكان أولهما نصرانياً وأسلم ثم كان أحد النقلة والمترجمين لآثار اليونان في المنطق والفلسفة وقد أتاح له ذلك خبرة طويلة بمذاهب اليونان في الأدب والنقد، وكان من الطبيعي ان تظهر آثار هذه المعرفة في كتابته عن الشعر العربي ونقده، كما كان أبن وهب أحد علماء الكلام وأهل الجدل والمناظرة وكان من الضروري ان يقف علي ضروب التفكير ومناهج البحث عند من يستطيع الوقوف علي نتاجهم من أبناء الأمم الذين يرعوا في الجدل والسفسطة، ومع ذلك ورغم فضل هذين العالمين فأن أقصي ما يمكن أن يقال انهما يمثلان جانباً من الجوانب الكثيرة التي تزخر بالآراء الأصيلة الجديرة بالتقدير التي امتزجت فيها الخصائص الذاتية بالثقافة المكتسبة، ومع ذلك ظهر لون آخر من العلماء الذين طغي عليهم الفكر اليوناني وغشي علي آثار شخصياتهم وهؤلاء لا يعدون في جملة من أفادوا من الفكرة اليونانية أو تأثروا بها لأن كتاباتهم في البلاغة والنقد الأدبي جاءت أشبه ما تكون بنقل المترجمين وبشروح المفسرين ومن أصدق الأمثلة علي هذا الطراز من العلماء حازم القرطاجني (ت 684هـ) صاحب (منهاج البلغاء وسراج الأدباء) ومما لا شك فيه انه توجد ملامح كثيرة للتشابه بين البلاغة العربية وبلاغة اليونان وأكثر الملامح شبهاً ببلاغة العرب هي مباحث الخاصة بدراسة الأسلوب الخطابي عند اليونان الملكي ولكن هذه الملامح المتشابهة لا يمكن ان تقطع وحدها بالأخذ أو الاحتذاء.

جريدة (الزمان) العدد 1328 التاريخ 2002 - 10 - 3

ـ[سفير اللغة والأدب]ــــــــ[24 - 07 - 2008, 05:18 م]ـ

شكرا على هذه المعلومات القيمة وإني اسأل الله أن يوفقكم لكتابة بحث آخر ذي صلة بما كتبتموه هنا ويتعلق الأمر بالحياة العقلية أو العلمية للعرب في العصر الجاهلي إذا كان هذا يسمح لكم به وقتكم ويتيسر لكم بقوة إرادتكم ويدفعه إليه حبكم للعلم ..... وشكرا.

ـ[أبو محمد النجدي]ــــــــ[28 - 07 - 2008, 05:41 ص]ـ

جميل ما ذكر الكاتب في هذه المقالة وأجدني أوافقه في قوله:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015