ولا نُرِيدُ أن نُطِيلَ بذكر أقوال العلماء -سواء من ذكروا المصطلح، أو من ذكروا معناه قبل تسميته وإطلاق هذا الاسم عليه- فما ذكرناه فيه الكفاية للدَّلالة على استخدامهم للمجاز في القرآن، وفي السُّنَّة، وفي اللُّغَة.
ولم يشذ عن الاتفاق الذي يقول بوجود المجاز في القرآن والسنة واللغة إلا القليل، منهم: داود الظاهري، وابنه محمد، وابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وفي العصور المتأخرة: محمد أمين الشنقيطي ([15] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn15)). فنجدهم قد أنكروا وجود المجاز في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف، وحتى في اللغة بوجه عام.
واعتمدوا في نفيهم لوجوده في اللغة بصفة عامَّة، وفي القرآن بصفة خاصَّة على ما يلي: الأول: أن المجاز عند مَنْ يقول به لا يدلُّ على معناه إلا بمعونة القرينة، وهذا تَطْوِيلٌ بلا فائدة، ومع عدم القرينة يكون فيه إِلْبَاس.
والثاني: لو سَلَّمْنَا أنَّ في القرآن مجازًا- والقرآنُ كلام الله- لَقِيلَ لله (مُتَجَوِّزٌ) وهذا الوصف لا يُطْلَقُ على الله باتِّفَاقِ علماء الأُمَّة.
والثالث: وهو من أدلَّة الظاهرية على نفي المجاز في القرآن أنهم قالوا: المجاز كَذِبٌ؛ لأنه يَصِحُّ نفيه، فَيَصِحُّ في قوله تعالى: ?وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا? [مريم: 4] ما اشْتَعَل، وإذا كان كَذِبًا، فلا يقع في القرآن والحديث. ([16] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn16))
والرابع: أن المجاز لا يُنْبئ بنفسه عن معناه، فورود القرآن به يقتضى الالتباس.
والخامس: أن استعمال المجاز لموضع الضرورة، وتعالى الله أن يوصف بالاضطرار.
والسادس: وهو قول ابن تيمية بأن سلف الأُمَّة لم يقولوا به مثل: الخليل، ومالك، والشافعي، وغيرهم من اللغويين، والأصوليين وسائر الأُمَّة، فهو إذن حادث؟!.
والسابع: إنكار ابن تيمية أن يكون للغة وَضْعٌ أوَّل تفَرَّع عنه المجاز باستعمال اللفظ في غير ما وُضِعَ له كما يقول مجوزو المجاز؟!
الردود العِلْمِيَّة على ما استدلوا به في إنكار المجاز:
أولا: قولهم: إن المجاز عند من يقول به لا يدل على معناه إلا بمعونة القرينة، وهذا تطويل بلا فائدة ومع عدم القرينة يكون فيه إلباس. فالجواب: أنَّ المجاز لا بُدَّ فيه من قرينة، ومع وُجُود القرينة لا يُوجَد إلباس. وليس في المجاز تطويل بلا فائدة: بل فيه فوائد من أَجْلِهَا يُصَارُ إلى المجاز ويُعْدَلُ عن الحقيقة. ([17] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn17))
ثانيًا: أما امتناع إطلاق وصف (مُتَجَوِّز) على الله فليس عِلَّتُه نفي المجاز عن القرآن، وإنما أسماء الله توقيفِيَّة لا بُدَّ فيها من الإذن الشَّرعي، ولا إِذْنَ هُنَا، فلا يُقَالُ: إذًا على الله إنه (مُتَجَوِّز) لعدم إذن الْمُشَرِّع. ([18] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn18))
ثالثا: قولهم: إن المجاز كذب، فَرَدَّ عليهم العلامة بهاء الدين السُّبكي بقوله: "إن الاستعارة –وهي نوع من أنواع المجاز- ليست بكذب لأمرين:
أحدهما: خفي معنوي وهو البِنَاءُ على التأويل، لأنَّ الكَذب غير مُتَأَوَّل، ناظر إلى العلاقة الجامعة، وقد التبس ذلك على الظَّاهِرِيَّة، فادَّعَوْا أنَّ المجاز كَذِبْ، ونَفَوْا وقوعه في كلام المعصوم وهو وَهْمٌ منهم.
الثاني: ظاهِرِي لفظي أو غير لفظي وهو كالفرع عن الأول: أنَّ المجاز ينصب قائله قرينة تصرف اللفظة عن حقيقتها، وتبين أنه أراد غير ظاهرها الموضوع لها". ([19] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn19))
وهذا مردود؛ لأنَّ النفي الذي جعلوه أمارة من أمارات المجاز، المراد به: نفي حقيقة اللفظ. فإذا قيل: رأيت أسدا يحمل السِّلاح، فإن النفي أن الْمُتَحَدَّث عنه ليس هو الأسد الحيوان المعروف، وهذا ليس بكذب، ولا يتوجه النفي إلى المعنى المراد، وهو: الشَّجَاعة. ([20] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn20))
¥