ملتقي اهل اللغه (صفحة 3024)

وقال ابن قتيبة ردًّا على من قالوا بامتناع وجود المجاز في القرآن بقوله: "وأما الطاعنون على القرآن بالمجاز، فإنهم زعموا أنه كذب؛ لأن الجدار لا يريد، والقرية لا تسأل، وهذا من أشنع جهالاتهم، وأدلها على سوء نظرهم وقلة أفهامهم، ولو كان المجاز كذبا، وكل فعل ينسب إلى غير الحيوان باطلا، كان أكثر كلامنا فاسدا، لأنا نقول: نبت البقل، وطالت الشجرة، وأينعت الثمرة، وأقام الجبل، ورخص السعر. وتقول: كان هذا الفعل منك في وقت كذا وكذا، والفعل لم يكن وإنما كون، وتقول: كان الله، وكان بمعنى حدث، والله عز وجل قبل كل شيء بلاغا به لم يحدث فيكون بعد أن لم يكن. ([21] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn21))

فابن قتيبة يرى البطلان في كلامهم؛ لأن هذا المفهوم يؤدي إلى أن يكون كل كلام العرب المبني على المجاز خطأ، وقد عرف عن العرب، قولهم: نبت البقل، وطالت الشجرة، وأينعت الثمرة.

رابعا: قولهم: إن المجاز لا يُنْبِئُ بِنَفْسِه عن معناه، فورود القرآن به يقتضى الالتباس. فالجواب: أنه لا التباس مع القرينة الدَّالَّة على المراد. ([22] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn22))

خامسا: قولهم: إن استعمال المجاز لموضع الضرورة، وتعالى الله أن يُوصَفَ بالاضطرار. فالجواب: أنَّا لا نُسَلِّمُ أن استعمال المجاز لموضع الضَّرُورَة، بل ذلك عادة العرب في الكلام، وهي عندهم أمْرٌ مُسْتَحْسَن، ولهذا نراهم يستعملون ذلك في كلامهم مع القُدْرَةِ على الحقيقة، والقُرْآن نزل بلغتهم فجرى الأمر فيه على عادتهم. ([23] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn23))

سادسا: قول ابن تيمية بأن سلف الأمة لم يقولوا به مثل: الخليل، ومالك، والشافعي، وغيرهم من اللغويين، والأصوليين وسائر الأمة، فهو إذن حادث؟!. فالجواب: أننا ذكرنا –سابقا- أن العلماء الذين أنْكَرَ ابن تيمية معرفتهم للمجاز وذكرهم له، وجدناهم قد عرفوا المجاز واستخدموه، ولم ينكروه، فإن لم يذكروا المصطلح، ولكنهم ذكروه بالمعنى، أو ذكروا استخدامه في اللغة.

سابعا: وأما إنكار ابن تيمية أن يكون لِلُّغَة وَضْعٌ أوَّل تفرَّع عنه المجاز باستعمال اللفظ في غير ما وضع له كما يقول مُجَوِّزو المجاز؟! فالواضح من هذا أن مذهب ابن تيمية أن اللغة إلهام من الله، وليست وضعية،، وينفي بِشِدَّةٍ أن يكون جماعة من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على وضع المسميات وتعيينها للدلالة على المراد منها، ويرى أن كل لفظ قد استعمل ابتداء فيما أريد منه دون أن يكون هناك وضع سابق على الاستعمال، والذي دعاه إلى هذا نفي المجاز نفسه، لا في القرآن الكريم فحسب، بل فيه وفى اللغة بوجه عام، لأنه رأى مجوزي المجاز يقولون: إن المجاز ما نقلت فيه الكلمة من المعنى الوضعي فاستعملت في المعنى غير الوضعي، وهذا النقل هو ركن من أهم أركان المجاز، وإن احتاج بعد النقل إلى علاقة وقرينة.

والجواب: أن ابن تيمية قد خالف في كلام أطبق عليه علماء الأمة في كل زمان ومكان، وفي كل فرع من فروع علم اللغة، قواعد وتطبيقات، فقد أدرك الرُّوَّاد الأوائل وغيرهم حقيقة الوضع الأول والخروج عليه، ومنهم مَنْ أشار إليه معنى بغير لفظه، ومنهم مَنْ نصَّ عليه نصًّا صريحا.

والذين أشاروا إليه معنًى سلكوا عدة طرق منها أن يقولوا: هذا مأخوذ من كذا. ومنهم من يقول: هذا أصله كذا، أو الأصل كذا. ومرادهم من الأخذ والأصل أن اللفظ المتحدث عنه له دلالتان: أحداهما: أَصْلِيَّة، وهى دلالة الوضع، والثانية: فرعية وهى دلالة المجاز، وقد يُنَبِّهُ بعضهم بقوله: قد يُسْتَعَارُ لكذا.

وفكرة المعاجم اللغوية نفسها إنما نشأت لجمع الألفاظ اللغوية والوقوف على مدلولاتها التي كان عليها الحال عند العرب الْخُلَّص، ولم يعنوا بالاستعمال المجازي؛ لأنه غير منضبط الدلالة الوضعية، وإنما يكفى فيه ورود نوع العلاقة المعتبرة لا كل صورة من صورها، وعلى هذا كان معتمد الحقائق السماع، أما المجاز فهو قياسي، ويستثنى من هذا الإمام جار الله الزمخشري في كتابه (أساس البلاغة)، بذكره بعض الاستعمالات المجازية بعد كل مادة يفرغ من ذكر دلالاتها الوضعية، وتابع الزَّمخشري بعض العلماء كابن السكيت والثعالبي. ([24] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn24))

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015