ملتقي اهل اللغه (صفحة 3022)

وقال الإمام الغزالي: «القرآن يشتمل على المجاز, خلافا لبعضهم, فنقول: المجاز اسم مشترك قد يُطْلَق على الباطل الذي لا حقيقة له, والقرآن مُنَزَّه عن ذلك, ولعلَّه الذي أراده من أنكر اشتمال القرآن على المجاز» ([6] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn6)). وقال أيضا: «المجاز ما استعملته العرب في غير موضوعه، وهو ثلاثة أنواع: الأول: ما استُعِيرَ للشيء بسبب الْمُشَابهة في خاصِيَّة مشهورة، كقولهم: للشُّجَاع أسد، وللبليد حمار, فلو سُمِيَ الأبخر أسدا لم يجز؛ لأن البخر ليس مشهورا في حقِّ الأسد. الثاني: الزِّيَادَة, كقوله تعالى: ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ? [الشورى: 11] فإنَّ الكاف وُضِعَت للإفادة, فإذا اسْتُعْمِلَت على وجْهٍ لا يُفِيد كان على خلاف الوضع. الثالث: النُّقْصَان الذي لا يُبْطِلُ التَّفْهِيم, كقوله عز وجل: ?وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ? [يوسف: 82] والمعنى: واسأل أهل القرية. وهذا النُّقْصَان اعتادته العرب فهو توسُّع وتجوُّز» ([7] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn7)).

وقال ابن حزم: «لا يجوز استعمال مجاز إلا بعد وروده في كتاب الله أو سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم» ([8] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn8)). وقال الفراء عند تفسير قوله تعالى: ?لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَآءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ? [آل عمران:]، فقال: «السُّجُود في هذا الموضع اسم للصَّلاة لا للسُّجود؛ لأن التلاوة لا تكون في السجود ولا في الركوع». ([9] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn9))

فنجده قد صَرَف اللَّفظ عن ظاهره إلى المعنى المجازي.

وقال أبو يزيد القُرَشِي، وهو من أئمة اللغة، المتوفى سنة 170هـ: "وقد يداني الشيءُ الشيءَ وليس من جنسه، ولا يُنْسَبُ إليه، ليَعْلَم العامَّة قُرْبَ ما بينهما، وفي القرآن مثل ما في كلام العرب من اللَّفْظِ المختلف، ومجاز المعاني"، ثُمَّ مَثَّل بقول امرئ القيس:

قِفا فاسألا الأطلالَ عن أُمّ مالك

وهل تُخبِرُ الأطلالُ غيرَ التّهالُكِ

ثم قال: «فقد علم أن الأطلال لا تجيب إذا سُئِلت، وإنما معناه: قفا فاسألا أهل الأطلال، وقال الله تعالى: ?وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا? [يوسف:82]، يعنى أهل القرية» ([10] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn10)).

وقد أشار الخليل بن أحمد الفراهيدي-وهو من أئمة اللغة- إلى المجاز واستخدامه، حيث قال في العين: قال: «البَائِضُ» وهو ذَكرٌ، فإن قَالَ قائل: الذَّكَرُ لا يَبِيضُ، قيل: هو في البَيْضِ سَبَبٌ؛ ولذلك جعله بَائِضًا، على قياس والِدٍ بمعنى الأب، وكذلك البَائِضُ، لأَنَّ الوَلَدَ من الوَالِدِ، والوَلَد والبَيْض في مذهبه شيء واحد. ([11] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn11))

وقال سيبويه: «ومما جاء على اتِّسَاعِ الكلام والاختصار قوله تعالى: ?وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا? [يوسف: 82] إنما يُرِيدُ: أهل القرية، فاختصر، وعمل الفعل في القرية كما كان عاملاً في الأهل لو كان هاهنا. ([12] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn12))

فنُلاحِظُ أن سيبويه بَيَّن أن الفعل (اسأل) قد عمل في (القرية) التي حلَّتْ مَحَلَّ (أهل)، فكان حقُّ الفعل (اسأل) أن يعمل في الأهل لا في القرية، ولا في العير من حيث أنهما قرية وعير، والعلاقة في (القرية) المكانِيَّة، والعلاقة في (العير) المجاورة أو المصاحبة.

وأبو عبيدة، صاحب كتاب مجاز القرآن ([13] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn13))، كان من الذين أشاروا إلى المجاز ولم يصرِّحُوا باسمه، قال: ?وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا? [الأنعام: 6] مجاز السماء ها هنا مجاز المطر، يُقَال: ما زِلْنَا في سماء، أي: في مطر، وما زلنا نَطأُ السَّمَاءَ، أي: أثر المطر، وأَنَّى أخذَتكم هذه السماءُ؟ ومجاز (أرْسلنا): أنزلنا وأمطرنا. ([14] (http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=755#_ftn14))

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015