ـ[صالح العَمْري]ــــــــ[30 - 11 - 2013, 08:00 م]ـ
مثل قوله:
إذا رمت الدخول على أناس ** فكن منهم بمنزلة الأقل
فإن رفعوك كان الفضل منهم ** وإن وضعوك قل هذا محلي
قال: أي: إذا حملوك (شالوك على ما قال) كان الـ (فضل) أي: محدثكم، منهم لقوته وجلده ... الخ.
أضحك الله سنك!
ولكن ... هل يصح هذا المعنى المتوهم من البيت إذا حولناه إلى:
فدعني من الهجر الأليم فنظرة ** من الحِب تكفيني إلى يوم تكفيني!
أم أنه بحاجة إلى نظرة كل يوم؟!
الأصل في الكلام أن يُحمل على ظاهره إلا إذا وجد مانع يمنع من ذلك، وهذا يقول: إن نظرة واحدة تكفيه إلى يوم تكفينه، ولا مانع من حمل كلامه على ظاهره، فيُحمل على الظاهر، أن نظرة واحدة مرة واحدة تكفيه مدة حياته.
أما قول الشافعي:
....... فلقمة * من العيش تكفيني إلى يوم تكفيني
فالعقل يمنع من حمله من ظاهره، لأنه معلوم أن اللقمة الواحدة لا تكفي الإنسان حياته كلها، فعلمنا أن المعنى ما ذكرنا قبل من أن ذلك يراد به لقمة في كل يوم أو في كل وقت طعام.
ولغة العرب واسعة، والعرب يجترئون على الحذف من الكلام وعلى قلبه وغير ذلك إذا علموا صحة فهم المخاطب، ووثقوا بإدراكه.
كما قالوا: أدخلت الثوب في رأسي، وأرادوا: أدخلت رأسي في الثوب.
وقالوا: أدخلت الخاتم في إصبعي، وأرادوا: أدخلت إصبعي في الخاتم.
وقالوا: عرضتُ الحوض على الناقة، وأرادوا: عرضتُ الناقة على الحوض.
وقال كعب بن زهير:
كأن أوب ذراعيها إذا عرقت * وقد تَلَفَّعَ بالقُورِ العساقيلُ
وأصله: وقد تَلَفَّعَ القُورُ بالعساقيل.
وقال النابغة الجعدي رضي الله عنه:
حتى لحقناهم تُعدي فوارسُنا * كأننا رَعنُ قُفٍّ يرفعُ الآلا
أراد: يرفعه الآل.
وقال الفرزدق:
إذا قيل أي الناس شر قبيلة * أشارت كليبٍ بالأكف الأصابعُ
وأراد: أشارت الأكفُّ بالأصابع إلى كليب.
فحذف الجارَّ، وقلب الكلام.
وقال رؤبة:
ومهمه مغبرة أرجاؤه * كأن لونَ أرضه سماؤه
أراد: كأن لونَ سمائه لونُ أرضه، فعكس التشبيه مبالغة وحذف المضاف.
ومثله في الحذف والقلب حذو القذة بالقذة قول أبي النجم العجلي:
كأن ريحَ المسكِ والقَرَنفُلِ * نباتُه بين التِّلاع السُّيَّلِ
أراد: كأن ريحَ نباتِه ريحُ المسك والقرنفل، فعكس التشبيه مبالغة وحذف المضاف.
وقال الأخطل يهجو بني كليب بن يربوع:
مثل القنافذ هداجون قد بلغت * نجرانُ أو بلغت سوآتِهم هَجَرُ
وأراد: بلغت نجرانَ سوآتُهم وهَجَرَ.
وقال عروة بن الورد:
فديتُ بنفسه نفسي ومالي * وما آلوك إلا ما أطيق
أراد: فديتُ نفسه بنفسي ومالي.
وقال النمر بن تولب:
وإن أنت لاقيتَ في نجدةٍ * فلا تتهيبك أن تقدما
أراد: فلا تتهيبها، وقيل: ليس فيه قلب، وليس هذا موضع بسطه.
ومثله قول ابن مقبل:
ولا تهيبني الموماة أركبها * إذا تناوحت الأصداء بالسَّحَرِ
أراد: ولا أتهيب الموماة.
وقال الفرزدق:
غداة أحلت لابن أصرمَ طعنةً * حصينٍ عبيطاتُ السدائف والخمرُ
أراد: غداة أحلت طعنةٌ لحصين بن أصرم عبيطاتِ السدائف والخمرا.
ونصبوا الفاعل والمفعول لما أمنوا الالتباس، كما في قول بعضهم على أحد الأقوال فيه:
قد سالمَ الحياتِ منه القَدَما * الأفعوانَ والشجاعَ الشَّجعَما
ورفعوا الفاعل والمفعول معا، كقول بعضهم:
إن من صاد عَقْعَقًا لمَشومُ * كيف من صاد عَقْعَقانِ وبومُ
ومثل هذا كثير، وهذا الذي أنشدناه ليس من باب قول الشافعي وليس مثله، وإنما أردنا أنهم يجترئون على ما هو أغمض من قول الشافعي إذا وثقوا بفهم السامع، فقول الشافعي أقرب مأخذا وأيسر متناولا، ولا يفهم أحد من الناس منه أنه أراد أن لقمة واحدة يأكلها مرة واحدة من الدهر تكفيه دهره كله، وإنما يفهم من ذلك كل أحد أنه أراد لقمة واحدة في كل أكلة، وكل وقت طعام.
ـ[شيخ المحققين]ــــــــ[04 - 12 - 2013, 04:11 م]ـ
بارك الله فيكم على هذا الحوار النافع الماتع ..
وقالوا: عرضتُ الحوض على الناقة، وأرادوا: عرضتُ الناقة على الحوض.
أظن العكس هو الصواب، فالذي يُعْرَضُ الحوضُ لا الناقة.
ـ[صالح العَمْري]ــــــــ[04 - 12 - 2013, 06:27 م]ـ
أحسنت يا شيخ المحققين، بارك الله فيك.
ـ[شعيب]ــــــــ[06 - 12 - 2013, 10:21 م]ـ
شهر عند أهل العراق شعر ما يسمى بالدارمي وهو يفيض بوصفتك يا عائشة، فهل عندك إطلاع عليه أو سماع له ...
قال زهير:
أرونا خطة ً لا ضيم فيها ..... يسوى بيننا فيها السواء ُ
ومن هذا الضَّرب - أخي - ما يُدعى بـ الأبوذيَّة ففيها جناس رائق رائع.
ـ[شعيب]ــــــــ[08 - 12 - 2013, 04:20 م]ـ
ما قضى الله كائنٌ لا محالَهْ والشَّقِيُّ الذَّمِيمُ مِنْ لامَ حالَهْ
ـ[شعيب]ــــــــ[08 - 12 - 2013, 04:22 م]ـ
ماذا عليهٍ لو أباحَ ريقَهُ ... لقَلبِ صَبٍّ يَشتكِي حَريقَهُ