ملتقي اهل اللغه (صفحة 2971)

إنكار الوضع اللغوى للمجاز وهى من الشُّبه التى بنى عليها الإمام ابن تيمية رأيه فى نفى المجاز بوجه عام، حيث ذكر أن تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز هو على حسب الاستعمال الأول للفظ، فإن استعمل اللفظ فى غير ما وضع له صار مجازا، فرد هذا الكلام بقوله: «وهذا كله إنما يصح أن لو علم أن الألفاظ العربية وضعت أولا لمعان ثم بعد ذلك استعملت فيها، فيكون لها وضع متقدم على الاستعمال. وهذا إنما صح على قول من يجعل اللغت اصطلاحية، فيدعى أن قوما من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على أن يسموا هذا بكذا، وهذا بكذا، ويجعل هذا عاما فى جميع اللغات.

وهذا القول لا نعرف أحدا من المسلمين قاله قبل أبى هاشم الجبائى، ... والمقصود هنا أنه لا يمكن أحد أن ينقل عن العرب، بل ولا عن أمة من الأمم أنه اجتمع جماعة من فوضعوا جميع هذه الأسماء الموجودة فى اللغة، ثم استعملوها بعد الوضع، وإنما المعروف المنقول بالمتواتر استعمال هذه الألفاظ فيما عنوه بها من المعانى، فإن ادع مدع أنه يعلم وضعا تقدم ذلك، فهو مبطل، فإن هذا لم ينقله أحد من الناس، ولا يقال نحن نعلم ذلك بالدليل، فإنه إن لكن اصطلاح متقدم، لم يمكن الاستعمال. قيل: ليس الأمر كذلك، بل نحن نجد أن الله يلهم الحيوان من الأصوات ما به يعرف بعضها مراد بعض، وقد سمى ذلك منطقا وقولا فى قول سليمان] عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ [[النمل: 16]،وكذلك الآدميون» ([137]).

نرى أن الإمام ابن تيمية يرى أن اللغة هى إلهام من الله، وليست وضعية، وينفى بشدة أن يكون جماعة من العقلاء اجتمعوا واصطلحوا على وضع المسميات وتعيينها للدلالة على المراد منها، ويرى أن كل لفظ قد استعمل ابتداء فيما أريد منه دون أن يكون هناك وضع سابق على الاستعمال، والذى دعاه إلى هذا نفى المجاز نفسه، لا فى القرآن الكريم فحسب، بل فيه وفى اللغة بوجه عام، لأنه رأى مجوزى المجاز يقولون: إن المجاز ما نقلت فيه الكلمة من المعنى الوضعى فاستعملت فى المعنى غير الوضعى، وهذا النقل هو ركن من أهم أركان المجاز وإن احتاج بعد النقل إلى علاقة وقرينة ([138]).

الرد على هذا الشبهة:

نرى أن الإمام ابن تيمية قد خالف فى كلام ما أطبق عليه علماء الأمة فى كل زمان ومكان وفى كل فرع من فروع علم اللغة قواعد وتطبيقات، فقد أدرك الرواد الأوائل وغيرهم حقيقة الوضع الأول والخروج عليه. ومنهم من أشار إليه معنى بغير لفظه ومنهم من نص عليه نصا صريحا.

والذين أشاروا إليه معنى سلكوا عدة طرق منها أن يقولوا: هذا مأخوذ من كذا. ومنهم من يقول: هذا أصله كذا، أو الأصل كذا. ومرادهم من الأخذ والأصل أن اللفظ المتحدث عنه له دلالتان: أحداهم أصلية، وهى دلالة الوضع، والثانية فرعية وهى دلالة المجاز، وقد ينبه بعضهم بقوله: قد يستعار لكذا.

وفكرة المعاجم اللغوية نفسها إنما نشأت لجمع الألفاظ اللغوية والوقوف على مدلولادتها التى كان عليها الحال عند العرب الخلص، ولم يعنوا بالاستعمال المجازى لأنه غير منضبط إلدلالة الوضعية وإنما يكفى فيه ورود نوع العلاقة المعتبرة لا كل صورة من صورها وعلى هذا كان معتمد الحقائق السماع، أما المجاز فهو قياسى، ويستثنى من هذا الإمام جار الله الزمخشرى فى كتابه (أساس البلاغة)، بذكره بعض الاستعمالات المجازية بعد كل مادة يفرغ من ذكر دلالاتها الوضعية، وتابع الزمخشرى بعض العلماء كابن السكيت والثعالبى، ([139]).

ـ[عمر خطاب]ــــــــ[01 - 03 - 2009, 04:56 م]ـ

هل قال ابن تيمية بالمجاز فى مؤلفاته؟!

نجد أن المجاز قد ورد صريحا فى أعمال ابن تيمية، ويتجلى ذلك بأنه نقله عن غيره من علماء السلف الأجلاء، ثم ارتضاه فكان مذهبا له، أو نقله عن غيره ثم أضاف إليه من جنسه ما لم يقولوه، أو نوع استأنف هو فيه التأويل استئنافا ولم يسبه إليه أحد ([140]).

وأن هذا النزاع لم يكن إلا نزاعا لفظيا، فالإمام ابن تيمية فى تأويلاته يستخدم المجاز ولم يهجر إلا التسمية فقط ([141]).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015