قال ابن تيمية: «وكذلك سائر الأئمة لم يوجد لفظ المجاز فى كلام أحد منهم إلى فى كلام الإمام أحمد بن حنبل، فإنه قال فى كتاب الرد على الجهمية فى قوله (إنا ونحن) ونحو ذلك فى القرآن: هذا من مجاز اللغة، يقول الرجل: إنا سنعطيك، إنا سنفعل، فذكر أن هذا مجاز اللغة، وبهذا احتج على مذهبه من أصحابه من قال: إن فى القرآن مجازا كالقاضى أبى يعلى، وابن عقيل، وأبى الخطاب وغيرهم» (([129].
وقال: «حكى بعض الناس عن أحمد فى ذلك روايتين. وأما سائر الأمة فلم يقل أحد منهم، ولا من قدماء أصحاب أحمد: إن فى القرآن مجازا، لا مالك، ولا الشافعى، ولا أبو حنيفة، فإن تقسيم الألفاظ إلى حقيقة ومجاز إنما اشتهر فى المائة الرابعة، وظهرت أوائله فى المائة الثالثة، وما علمته موجودا فى المائة الثانية، اللهم إلا أن يكون فى أواخرها. والذين أنكروا أن يكون أحمد وغيره نطقوا بهذا التقسيم. قالوا إن معنى قول أحمد: من مجاز اللغة- أى: مما يجوز فى اللغة، أى يجوز فى اللغة أن يقول الواحد العظيم الذى له أعوان: نحن فعلنا كذا ونفعل كذا، ونحو ذلك. قالوا ولم يرد أحمد بذلك أن اللفظ استعمل فى غير ما وضع له» (([130].
الجاحظ (ت 255 هـ)
قد ذكر الاستعارة - وهى نوع من أنواع المجاز- فى كتابه البيان والتبيين، وهو يعلِّق على قول الراجز:
وطفِقَتْ سحابةٌ تَغشاها تَبكى على عِراصِها عيناها
وجَعل المطرَ بكاءً من السَّحاب على طريق الاستعارة، وتسميةِ الشَّىء باسم غيرِه إذا قام مَقامه» (([131].
ابن المعتز (ت 296)
ذكر فى كتابه (البديع) الاستعارة وهى ضرب من المجاز ومثَّل لها بالآيات القرآنية] واخفض لهما جناح الذل من الرحمة [] واشتعل الرأس شيبا [، ومن الحديث مثّل بقوله عليه السلام: «مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لَهُمْ رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً طَارَ عَلَيْهِ» ([132]). والاستعارة موطنها (طار) وهى تصريحية تبعية. ومثّل لها من الشعر العربى بقول امرئ القيس:
وليل كموج البحر أرخى سدوله على بأنواع العموم ليبتلى
فقلت له لما تمطى بصلبه وأردف أعجازا وناء بكلكل
وعلّق عليه قائلا: (هذا كله من الاستعارة، لأن الليل لا صلب له).
ابن قتيبة (ت 376 هـ)
يرى ابن قتيبة اشتمال القرآن على المجاز وغيره من الظواهر اللغوية وهذا فى كتاب (تأويل مشكل القرآن)، وقد قال ابن تيمية عن ابن قتيبة أنه من أهل السنة والجماعة وذلك فى كتابه تفسير سورة الإخلاص. وسبب وضع ابن قتيبة: هو الدفاع عن القرآن من طعن الطاعنين. وذكر أن النصارى ضلوا لعد فهم المجاز وفهم كلامهم على حقيقته وذلك بقوله: «وللعرب المجازات فى الكلام، ومعناها طرق القول ومآخذه .... مع أشياء كثيرة ستراها فى أبواب المجاز» ([133]).
ويقول فى موضع آخر بعد ذكر أنواع المجاز: «وبكل هذه المذاهب نزل القرآن، وذلك لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقله إلى شىء من الألسنة كما نقل الإنجيل من السريانية إلى الحبشية والرومية، وترجمت التوراة والزبور وسائر كتب الله تعالى بالعربية؛ لأن العجم لم تتسع فى المجاز اتساع العرب» ([134]).
«وقد اتخذ ابن قتيبة من المجاز سلاحا للدفاع عن القرآن الكريم والاعتقاد الصحيح فقيها كل الفقه بمذاهب العرب فى الإفصاح والبيان» ([135]).
ومن الأدلة أيضا: الإنكار المبكر للمجاز
«ذكر صاحب الفهرست أن الحسن بن جعفر وضع كتابا فى الرد على منكرى المجاز وصاحب المجاز متوف فى القرن الرابع ورصد فى كتابه الحركة العلمية والفكرية بدءا من أول عصر التدوين إلى عصره الذى مات فيه» ولم يعرف بالتحديد تاريخ وفاة إلا أنه من المؤكد أنه كان فى القرن الثانى أو الثالث وهذا دليل على أن العرب كانت تعرف المجاز وكان منتشرا وهذا يرد قول الإمام ابن تيمية» ([136]).
الشبهة الثانية:
¥