ملتقي اهل اللغه (صفحة 2969)

الواقع أن ما ذكره الإمام ابن تيمية مدفوع ومعارض بحقائق لا تقبل الجدل. فقد ذكر الإمام أن المجاز لم يعرف إلا بعد القرون الثلاثة الأولى ولكننا إذا رجعنا إلى ما كتبه بعض أعلام القرون الأولى وجدناهم تكلموا على المجاز إن لم يكن بلفظه فيكون بمعناه وسنتعرض لهؤلاء العلماء حسب الترتيب التاريخى الأقدم فالأقدم:

أبو زيد القرشى (ت 170هـ) (([120]

وهو من أعلام القرن الثانى الهجرى، وصاحب كتاب جمهرة أشعار العرب فقد ذكر فى مقدمة كتابه هذا عندما تحدث عن اللفظ المختلف ومجاز المعانى بقوله: «وقد يدانى الشىءُ الشىءَ وليس من جنسه، ولا يُنسب إليه، ليعلم العامة قرب ما بينهما، وفى القرآن مثل ما فى كلام العرب من اللفظ المختلف، ومجاز المعانى» ثم مثَّل بقول امرئ القيس من الطويل:

قِفا فاسألا الأطلالَ عن أُمّ مالكِ وهل تُخبِرُ الأطلالُ غيرَ التّهالُكِ

فقد علم أن الأطلال لا تجيب، إذا سُئِلت، وإنما معناه قفا فاسألا أهل الأطلال، وقال الله تعالى:] وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيهَا [[يوسف:82]، يعنى أهل القرية» (([121].

فلا يقال أن أبا زيد قد عنى هنا شيئا غير المجاز المعروف فالأمثلة التى مثّل بها هى من صميم المجاز، ومعنى هذا أن المجاز عُرف بلفظه ومعناه خلال القرن الثانى الهجرى، وهو ما يرد قول الإمام ابن تيمية بأنه لم يُعرف إلا بعد القرون الثلاثة الأولى.

وإنكار داود الظاهرى (ت 270هـ) للمجاز دليل على أنه كان معروفا قبل ذلك لأن الإنكار فرع الإثبات.

سيبويه (ت 180هـ)

يذكر المجاز فيقول: «ومما جاء على اتساع الكلام والاختصار قوله تعالى] وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِى أَقْبَلْنَا فِيهَا [[يوسف:82]، إنما يريد أهل القرية فاختصر، وعمل الفعل فى القرية كم كان عاملاً فى الأهل لو كان هاهنا. ومثله: «بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»، وإنما المعنى: بل مكر كم فى الليل والنهار. وقال عز وجل: «ولكن البر من آمن بالله»، وإنما هو: ولكن البر بر من آمن بالله واليوم الآخر.

ومثله فى الاتساع «قوله عز وجل»: «ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً»، وإنما شبهوا بالمنعوق به. وإنما المعنى: مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذى لا يسمع. ولكنه جاء على سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب بالمعنى» (([122].

الشافعى (ت 204هـ) ([123])

قال ابن تيمية: «هذا الشافعى أول من جرَّد الكلام فى أصول الفقه، لم يقسم هذا التقسيم، ولا تكلم بلفظ الحقيقة والمجاز» (([124].

الرد: «إذا كان مراد ابن تيمية أن الشافعى لم يذكر لفظ المجاز بعينه فكلامه صحيح إلى حد ما ولكن العبرة هل فطن الشافعى إلى جهة التجوز فى كلام العرب وكلام الله النازل على منواله أم لا» (([125]، ومن المعلوم أن مصطلح المجاز عند الأوائل كان يعرف به الاتساع فى اللغة، ويقول الشافعى فى الرسالة: «فإنما خاطب الله العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها وأن فطرته أن يخاطب بالشيىء منه عاما ظاهرا يراد به العام الظاهر ويستغنى بأول هذا منه عن آخره وعاما ظاهرا يراد به العام ويدخله الخاص فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه وعاما ظاهرا يراد به الخاص وظاهر يعرف فى سياقه أنه يراد به غير ظاهره فكل هذا موجود علمه فى أول الكلام أو وسطه أو آخره وتبتدئ الشىء من كلامها يبين أول لفظها فيه عن آخره وتبتدئ الشىء يبين آخر لفظها منه عن أوله وتكلم بالشيىء تعرفه بالمعنى دون الايضاح باللفظ كما تعرف الإشارة ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها لانفراد أهل علمها به دون أهل جهالتها وتسمى الشىء الواحد بالاسماء الكثيرة وتسمى بالاسم الواحد المعانى الكثرة (([126]».

الفراء (ت 207هـ)

قال فى قوله تعالى] كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم [وقد أدرك أن الاستفهام هنا ليس لطلب الفهم، وصرفه عن الظاهر، فقال: «على وجه التعجب والإنكار والتوبيخ لا على الاستفهام المحض، أى: ويحكم كيف تكفرون (([127]».

أحمد بن حنبل (ت 241هـ) (([128]

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015