ملتقي اهل اللغه (صفحة 2965)

«الأصوليون والفقهاء طائفتان من علماء الأمة تتعلق مباحثهم بلب الشريعة ومقاصدها وأصولها. أو هما إذا حكمنا الممهدون للعل بشريعة الله فى الدنيا والدين، والمهيئون لإنفاذ التكاليف فى العقائد والعبادات والمعاملات والسلوك الخاص والعام. ووضع القواعد والأسس الكلية لاستنباط الأحكام الجزئية من قواعدها التفصيلية. ولولا جهود الأصوليين والفقهاء لاستغلق على الناس كتاب ربهم وسنة نبيهم، ولما جاءت أعمالهم منضبطة على هدى الله ورسوله.

فالقرآن والحديث هما مبادئ التشريع. وعمل الأصولى هو النظر فيهما وتحرير مقاصدهما، فالأصول واسطة بين الفقيه وبين مصادر التشريع.

وقد رأينا الأصوليين والفقهاء يهتمون اهتماما كبيرا بمدلولات اللغة العربية: لغة التنزيل الإلهى والحديث الشريف. ويولونها أكبر عناية لأنها المادة التى صيغت فيها كليات التشريع ويسيرون مع العرب النازل بلغتهم أينما ساروا فى طرق بيانهم، وشعب دلالتهم، ومنها الحقيقة والمجاز، لتكون قواعدهم التى صاغوها، وأحكامهم التى استنبطوها جارية على أسس صحيحة وفهم مستقيم. ولو لم تكن نظرتهم بانقسام اللغة إلى حقيقة ومجاز لخلت مصنفاتهم وجهودهم من هذا التقسيم» ([77]).

ابن حزم الظاهرى (ت 456 هـ) ([78])

لابن حزم كتاب يسمى (الأحكام فى أصول الأحكام) تحدث فيه عن المجاز والتشبيه فى فصل خاص، وأنه لم يتناول مسألة وقوع المجاز فى اللغة، بل تخطاها إلى وقوعه فى القرآن والسنة أو عدم وقوعه فيهما.

وقد أشار إلى الخلاف بين علماء الأمة فى هذا المجال، فقال إن قوما منهم منعوه، وآخرين أجازوه، واختار هو مذهب الإجازة فى إطار الحدود التى وضعها هو لوقوع المجاز فى القرآن والسنة الشريفة. المؤلف لا يرى حرجا فى ورورد المجاز فى آيات التنزيل الحكيم، وفى حديث إمام المرسلين، وهذا مشروط عنده بشرط وهذا واضح فى قوله: «فكل كلمة نقلها الله تعالى عن موضوعها فى اللغة إلى معنى آخر فإن كان الله تعالى تعبدنا بها قولا وعملا كالصلاة والزكاة والحج والصيام والربا وغير ذلك فليس شئ من هذا مجازا، بل هى تسمية صحيحة واسم حقيقى لازم مرتب من حيث وضعه الله تعالى.

وأما ما نقله الله تعالى عن موضوعه فى اللغة إلى معنى تعبدنا بالعمل به دون أن يسميه بذلك الاسم، فهذا هو المجاز، كقوله تعالى:] وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [[الإسراء: 24]، فإنما تعبدنا تعالى بأن نذل للابوين ونرحمهما، ولم يلزمنا تعالى قط أن ننطق، ولا بد فيما بيننا بأن للذل جناحا، وهذا لا خلاف فيه، وليس كذلك الصلاة والزكاة والصيام، لانه لا خلاف فى أن فرضا علينا أن ندعو إلى هذه الاعمال بهذه الاسماء بأعيانها ولا بد».

هذا هو شرط ابن حزم فى وقوع المجاز فى القرآن الحكيم، والسنة المطهرة فالنقل إذا صحبه تعبّد بالعمل والاسم فهو حقيقة ([79]) لا مجاز. والنقل إذا لم يصحبه تعبّد بالتسمية فهو مجاز لا حقيقة.

ومما تجب الإشارة إليه أنه مقر بالوضع اللغوى، وجعل من علامات المجاز الخروج عن هذا الوضع. وهذان الأمران مع اشتهارهما فى مباحث العلماء قبل عصر الإمام ابن تيمية فإنه قد نفاهما بدليل أن سلف الأمة قبله لم يقل به ([80]).

وقد بالغ ابن حزم رحمه الله فى وصف من ينكر المجاز بالكفر، والذين أنكره فى القرآن بخاصة أرادوا الحفاظ على كلام الله من شطط التأويل. فهى نظرة فى حيطة محمودة، وقد خرج جمهور العلماء عن هذه النظرة ونهجوا منهج التأويل المجازى فى كتاب الله. فكلا الفريقين لهما مقاصد حسنة فيما ذهبوا إليه وإن ترجحت إحدى النظرتين (نظرة القول بجواز المجاز) فليس معنى هذا الحكم على من منع المجاز فى القرآن بالكفر ([81]).

هذا هو موقف ابن حزم من المجاز، وهو من الرواد الأوائل فى علم الأصول وحديثه عن المجاز كان قبل نضوج هذا الفن. ومهما كانت نظرته ضيقة بالنسبة لمستقل البحث فى المجاز فى عصره فهى لمحة لها دلالتها القوية بالإضافة إلى مبدأ الوضع الأول ([82]).

الإمام الغزالى (ت 505هـ)

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015