جار الله الزمخشرى (ت 538) ([68])
عَلَم من أعلام الإسلام، وبحر من بحور العلم، وكنز من كنوز المعرفة وشمس من شموس البيان، ومفسر راسخ القدم وهبه الله ذكاء قيد به شوارد المعانى، وفهما تذوق به مرامى التنزيل، وفقها استشف به غوامض الأسرار، وأعانه على خبيئات المعانى فى مفردات التنزيل وفى جمله وتراكيبه فجاء تفسيره (الكشاف) كما قال هو:
إن التفاسير فى الدنيا بلا عدد وليس فيها –لعمرى- مثل كشافى
إن كنت تبغى الهدى فالزم قراءته فالجهل كالداء، والكشاف كالشافى
وقال فى الكشاف: إن من تعاطى التفسير فلا بد له من البراعة فيهما- المعانى والبيان- لأنهما علمان مختصان بالقرآن لا يغنى عنهما سواهما. ونجد فى كتابه ذكره لكثير من فنون البلاغة عند تفسيره لبعض الآيات مثل المجاز العقلى، المجاز المرسل، الاستعارة، ترشيح المجاز وتجريده ([69]).
خامسا: المحدثون
ابن قتيبة (ت 376 هـ) ([70])
لابن قتيبة كتاب سماه (تأويل مشكل القرآن) وكتاب آخر سمّاه (تأويل مختلف الحديث)، وقد بين المؤلف فى مقدمة مستفيضة أهمية الموضوع الذى تعرض له، وكيف أن كل فرقة تمسكت بنصوص بنت عليها عقيدة، وكيف لغا اللاغون فى بعض الأحاديث التى يوهم ظاهرها اختلافا فيما بينها، أو يوهم ما يضاد أصول الاعتقاد فى الله. وبعد هذه المقدمة عمد إلى ما لغوا فيه، وحاول محاولات جادة فى التوفيق بين الأخبار المتعارضة والموهمة، وسار فى خطوات ثابتة من أول الكتاب إلى آخره، ولجأ فى بعض معالجاته لهذه المشكلة إلى التأويل المجازى، وهذا هو بيت القصيد الذى يهمنا فى هذا الغرض. ([71])
«ومن كلام عبد الله بن مسلم بن قتيبة فى المجاز قال: لو كان المجاز كذباً لكان أكثر كلامنا باطلاً؛ لأنا نقول: نبت البقل، وطالت الشجرة، وأينعت الثمرة، وأقام الجبل، ورخص السعر، ونقول: كان هذا الفعل منك فى وقت كذا، والفعل لم يكن وإنما يُكوَّن، وتقول: كان الله، وكان بمعنى حدث، والله قبل كل شىء، وقال فى قول الله عزوجل:] فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ [[الكهف: 77] لو قلنا لمنكر هذا كيف تقول فى جدار رأيته على شفا انهيار؟ لم يجد بداً من أن يقول: يهم أن ينقض، أو يكاد، أو يقارب، فإن فعل فقد جعله فاعلاً، ولا أحسبه يصل إلى هذا المعنى فى شىء من ألسنة العجم إلا بمثل هذه الألفاظ» ([72]).
الشريف الرضى (ت 406هـ) ([73])
وقد وضع كتابا أسماه (المجازات النبوية) ويختلف منهجه فيه عن منهج ابن قتيبة وابن فورك لأنهما اهتما –غالبا- بالأحاديث التى لها صلة وثيقة بالاعتقاد والتوحيد، أما الشريف فقد دعاه إلى وضع كتاب إظهار ما فى الحديث من الصور البلاغية والبيانية سواء مست أصول الاعتقاد أو لم تمس، ومن أمثلة ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «يا أنجشة: رفقا بالقوارير» ثم علق عليه قائلا: وهذه استعارة عجيبة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام شبه النساء فى ضعف الطبائع ووهن الغرائز بالقوارير الرقيقة التى يوهنها الخفيف، ويصدعها اللطيف، فنهى عن أن يسمعهن الحادى ما يحرك مواضع الصبوة، وينقض معاقد العفة. ([74])
الإمام السيوطى (ت 911هـ) ([75])
قال السيوطى: «لا خلاف فى وقوع الحقائق فى القرآن، وهى كل لفظ نقى على موضوعه ولا تقديم فيه ولا تأخير، وهذا أكثر الكلام. وأما المجاز فالجمهور أيضاً على وقوعه فيه، وأنكره جماعة منهم الظاهرية وابن القاص من الشافعية وابن خويز منداد من المالكية، وشبهتهم أن المجاز أخوالكذب والقرآن منزه عنه، وأن المتكلم لا يعدل إليه إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير، وذلك محال على الله تعالى، وهذه شبهة باطلة، ولو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن، فقد اتفق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة، ولو وجب خلو القرآن من المجاز وجب خلوه من الحذف والتوكيد وتثنيه القصص وغيرها» ([76]).
سادسا: الأصوليون والفقهاء
¥