] أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ [[الواقعة: 58]] أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ [[الواقعة: 63]] أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ [[الواقعة:68] ([19]).
أما المجاز فاختلف فى وقوعه فى القرآن
قد قال بالمجاز خلق كثير لا يجوز حصرهم، ولم يقل بنفيه وإنكاره إلا عدد قليل من العلماء، وسأعرض -بعون الله- أراء بعض العلماء المجوزين له -بدليل وروده فى كتبهم-، ثم أعرض أراء المنكرين له، والشبه التى جعلتهم ينكرونه، والرد على تلك الشبه.
المجوزون
قد قال بالمجاز كثير من الأئمة، وعددهم لا يحصى، ولكنى آثرت أن أذكر من أصحاب كل فن بعض البارزين فيه فقط:
أولا: اللغويون والنحاة:
سيبويه (ت 180هـ) ([20])
وضع سيبويه كتابه الذائع الصيت (الكتاب) فى القرن الثانى الهجرى، فجاء كتابه – على سبقه الزمنى- نسيج وحده فى موضوعه، حالا بكل ما يفيد من الدراسات اللغوية نحوا وتصريفا وعروضا وأصوات وقراءات، وبلاغة، لم يعرف قبله مثله، ولم يلحق به نظير واحتل مكانا رفيع الدرجات عند العلماء والدارسين. وكان المبرد يقول فيه لمن جاء يقرأه عليه: هل ركبت البحر، تعظيما واستصعابا لما فيه ([21]).
وصار كتاب سيبويه دستورا لمن جاء بعده، ومرجعا للمؤلفين من القدماء، وله عند الباحثين المحدثين أهمية لا تضارع. لم تقتصر الإفادة على النحويين والصرفيين واللغويين، والقراء، بل أفاد منها الأدباء والنقاد والبلاغيين. فمثلا الإمام عبد القاهر الجرجانى فقد وضع تعريفه لنظرية النظم على إدراك المعانى النحوية وحسن إيرادها بين الكلم، فقال: «واعلم أن ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذى يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التى نهجت، فلا تزيغ عنها» ([22]).
لم يصرح سيبويه باسم المجاز، ولكنه يوجهها توجيها مجازيا، ولكن المتأخرين من علماء البلاغة من بعده وإلى اليوم نقلوا التراكيب التى لفت سيبويه الأنظار إليها، ورددوا توجيهه إياها، قال: «ومما جاء على اتساع الكلام والاختصار قوله تعالى] وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِى أَقْبَلْنَا فِيهَا [[يوسف: 82]، إنما يريد أهل القرية فاختصر، وعمل الفعل فى القرية كم كان عاملاً فى الأهل لو كان هاهنا. ومثله: «بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ»، وإنما المعنى: بل مكر كم فى الليل والنهار. وقال عز وجل: «ولكن البر من آمن بالله»، وإنما هو: ولكن البر بر من آمن بالله واليوم الآخر.
ومثله فى الاتساع «قوله عز وجل»: «ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً»، وإنما شبهوا بالمنعوق به. وإنما المعنى: مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذى لا يسمع. ولكنه جاء على سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب بالمعنى» (([23].
الفراء (ت 207هـ) ([24])
الفراء مِثْل سيبويه لم يضع كتابه للبحث البلاغى فى اللغة أو فى القرآن الكريم، وإنما وضعه لتوجيه النص القرآنى من حيث القراءات الواردة فيه، والوجوه الإعرابية الجائزة فى التنزيل، وبيان المعنى المختلف باختلاف باختلاف القراءة والإعراب. فمنهجه بعيد عن المنهج البلاغى المتخصص، لكن له تخريجات فى كتابه من صميم مسائل المجاز كما عرف عند المتأخرين، وهو أحيانا ينسب إلى ما يصرح به إلى أعلام السلف: صحابة وتابعين، وبخاصة ابن عباس ومجاهد وقتادة، رضى الله عنهم أجمعين ([25]).
وهذا فيه من الأدلة القاطعة بأن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أدركوا مسألة التأويل المجازى.
أبو عبيدة (ت 209هـ) ([26])
أبو عبيدة صاحب كتاب (مجاز القرآن)، ولم يرد من كلمة (المجاز) التى جعلها عنوانا لكتابه المعنى الاصطلاحى للمجاز ومع هذا فإن فيه تخريجات مجازية عديدة ([27]).
¥