ـ[عبد المحسن الجزائري]ــــــــ[11 - 04 - 2009, 03:52 م]ـ
البسملة1
التشبيه التمثيلي في القرآن الكريم.
للأمثال في اللغة مكانة رفيعة لما لها من دور بارز في الإقناع، وسرعة التفهيم، وإزالة الإشكال.
وهي ضروب من الاقوال الفنية البليغة المتضمنة لحكم عبرت عن اوضاع اجتماعية او فكرية او سلوكية, فلذلك كانت اكثر جريانا على السنة الناس, وكانت الامثلة الموجزة كثيرة في كلام الانبياء والخطباء,
وأحسن الأمثال هي أمثال القرآن الكريم لما حوته من المعاني الحسنة، والدلائل العميقة، المتضمنة للحكمة، ودلائل الحق في المطالب العالية. ووردت الأمثال القرآنية على وجهين:
مرسلة ولا يصرح فيها بلفظ التشبيه بل ترسل ارسالا ,ولا نتطرق لها بالدراسة في بحثنا هذا.
تشبيهية وهي ما استعملت التشبيه في ورودها فتراكبت معه وصارت تسمى بالتشبيه التمثيلي أو التشبيه المركب.
يؤشر القرآن الكريم على تواجد المثل في النص الديني، مع الإشارة إلى المثل: كما في قوله تعالى: (وتلك الأمثال نضربها للناس، وما يعقلها إلا العالمون)، فهذه الآية تنصص على أن ما أتى قبلها "مثلا"، وهو: (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون).
يرد المثل في القرآن:
1 – مقرونا أو مسبوقا بلفظة "كمثل" كما نجدها في العديد من الآيات القرآنية (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم).
2 – مقرونا بفعل "ضرب"، وهي واردة في النص الديني، في تصريفات وتحويلات عديدة، في الماضي والمضارع. وبالإضافة إلى نسبتها لله هي منسوبة إلى مجموعة من الضمائر وهي واردة في 30 موقعا.
(ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة).
نجد عبد القاهر الجرجاني يأتي بالمثل رأسا إلى البلاغة بحيث يعرف المثل بقوله: "واعلم أن المثل قد يضرب بجمل لا بد من أن يتقدمها مذكور يكون مشبها به ولا يمكن حذف المشبه به والاقتصار على ذكر المشبه، ونقل الكلام إليه حتى كأنه صاحب الجملة إلا أنه مشبه بمن صفته وحكمه مضمون تلك الجملة".
والمثل عند الجرجاني قرين بالتمثيل. والتمثيل كما نعلم يتجلى في صيغتين:
1) إما أن يأتي المعنى ابتداء في صورة التمثيل، وهذا نادر، وهو ما نجده في القرآن الكريم بشكل وافر من مثل (مثله كمثل الذي استوقد نارا).
2) وإما أن يأتي في أعقاب المعنى لإضاحه وتقريره في النفس وترك أثر مخصوص من مثل: (ضرب الله مثلا في شركاء متشاكسون ..).
أما ابن رشيق في كتابه العمدة فنجده أكثر تدقيقا، إذ خصص لهذا الحديث بابين: باب التمثيل وباب المثل السائر.
فالتمثيل عنده إماءة وإشارة، وهو من التشبيه، يقول: "من ضروب الاستعارة التمثيل وهو المماثلة عند بعضهم، وذلك أن تمثل شيئا بشيء فيه إشارة".
ويقول: "والتمثيل والاستعارة من التشبيه، إلا أنهما بغير آلته وعلى غير أسلوبه". ففي هذا التقديم نجده يتحدث عن المثل مع الإشارة إلى كونه يقصد به التمثيل، بمعنى أن التمثيل والمثل مترادفين عنده، مادام "المثل والمثل الشبيه والنظير".
غير أن ما يميز التمثيل عن المثل عند ابن رشيق هو مقياس معيار الطول، وهي نفس الخاصية التي يشير إليها عبد القاهر الجرجاني، بقوله: "اعلم أن المثل قد يضرب بجمل". وهذا اللون هو ما يميل إليه ابن رشيق، إذ يعتبره عصارة العلماء، يقول في ذلك: "تأتي الأمثال الطوال محكمة إذا تولاها الفصحاء من الناس".
وغاية المثل القرآني: إصلاح النفوس، وصقل الضمائر، وتهذيب الأخلاق، وتقويم المسالك، وتصحيح العقائد، وتنوير البصائر، والهداية إلى ما فيه خير الفرد، وصلاح الجماعة، والتنبيه إلى المساوئ لتجتنب، وإلى المحاسن لتقبل عليها النفوس الطيبة، والقلوب الزكية" (1). فضرب الله الأمثال لنفوس العباد حتى يدركوا ما غاب عن أسماعهم وأبصارهم الظاهرة بما عاينوا
والأمثال في القرآن الكريم من تصريف الآيات الَّذِي ورد في القرآن الكريم
كما قَال تعالى:
{انظُرْ كَيفَ نُصَرِّفُ الآياتِ ثُمَّ هُم يَصْدِفُون} (2).
وقال سبحانه: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا} (3).
¥