ملتقي اهل اللغه (صفحة 2936)

ومع ذلك فسأحاول محاولة التلميذ الكسول الذي إن أجاب فبجواب بينه وبين المطلوب بعد السماء والأرض، وهذه محاولتي بين يديك:

1 - لعلك تبيِّن كيف كان العقلُ دالاًّ على أن الاسم يكون ابتداءً علمًا للمسمَّى؟

لأن الواضع ليس أمامه إلا شيء واحد يريد وضع لفظ دال عليه يغنيه عن ذكر شكله ولونه وحجمه وطوله وعرضه وما يميزه به عن غيره، فإذا ذكر اللفظ دله على المسمى، وإذا ذكرت الأوصاف كاملة أو بعضها علم الاسم، وهذا حد العلم "اسم يعين المسمى مطلقا"

2 - ثمَّ إن لم يوجد مثيلٌ للعلم هذا، أفيبقَى على علميَّته أم لا؟

أجازف فأقول نعم، مع أن السؤال ملغوم (أي فيه ألغام)

3 - وما فرق ما بين (رجل) قبل أن يكون اسم جنس، وبين (زيد)؟

لا فرق بينهما، لو كان في الدنيا رجل واحد، لكان لفظ رجل علما له، فلما شركه في هذا الوصف غيره صار من اللازم فصله عن غيره بمثل زيد وعمرو، كما هو الشأن في (زيد)، لو أن كل رجل في قبيلة يدعى زيدا للزم فصل زيد عن زيد بمثل زيد الطويل وزيد بن عمرو

4 - ثمَّ أوليس كون الأسماء أعلامًا في أوَّل وضعِها منافٍ لكونها من بعدُ أسماءَ أجناس؟ لأن العلمَ في حقيقته لا يتعدَّد إلا بالتعيين؛ أي: بتعيين كلِّ فردٍ؛ فكيفَ يكون اسمَ جنس لأفرادٍ غير محصورةٍ من غير تعيين لكلّ فرد منها كما تُعيَّن الأعلامُ؟

أعتقد أن هذا هو الفاصل بين اسم الجنس والعلم، فكلاهما دال على ذات، لكن لما كان الأول شائعا في جنسه احتيج لما يميز الذات عن شبهها في جنسها، ولو شاع الثاني في جنسه مثل الأول لصار مثل الأول واحتيج لما يميز به الذوات عن شبهها في (جنسها).

5 - وهل في ذهن الواضع يومَ سمَّى أولَ (تلفاز) رآه (تلفازًا) أن يخصَّه بما رآه بعينه، أم كانَ سمَّاه (تلفازًا) لأنه آلةٌ تنقلُ الصورَ المرئيَّةَ على هيئة معيَّنة؛ فلو وُجِد آخرُ مثلُه، لكانَ اسمُه أيضًا (تلفازًا) بالوضع، لا بالتعيين؟

الذي يظهر لي والله أعلم أنه أراد تخصيصه بمسمى يغنيه عن ذكر وصفه ويفصله به عن غيره، وهذا حد العلم.

شيخنا فيصل منصور أرجو منك أن تعذرني، وأن تغض عن الزلات والهفوات وأن تأتي في المسألة بالقول الفصل فأنا في حالة كسل ونوم، ومن كانت هذه حاله أتى بالعجائب ...

محبك عبد العزيز

ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[29 - 04 - 2009, 11:05 م]ـ

جزاكم الله خيرا.

قال سيبويه (الكتاب 1/ 223):

" واعلم أنَّ النكرة أخفُّ عليهم من المعرفة، وهي أشدُّ تمكنا، لأن النكرة أول، ثم يدخل عليها ما تُعَرَّفُ به ... ".

وقال المبرد (المقتضب 4/ 276):

" وأصل الأسماء النكرة وذلك لأن الاسم المنكر هو الواقع على كلِّ شيء مِنْ أُمَّتِه .. ".

وقال أبو حيان (ارتشاف الضرب 2/ 907):

" والنكرة هي الأولى، والمعرفة طارئة عليها، هذا مذهب سيبويه، وقال الكوفيون، وابن الطراوة: من الأسماء من لزم التعريف كالمضمرات، وما التعريف فيه قبل التنكير نحو: مررتُ بزيدٍ وزيدٍ آخر، وما التنكير فيه قبل التعريف، وهذا التقسيم عندهم قالوا: يُبطل مذهب سيبويه.".

ونقل السيوطي عن صاحب (البسيط) أن النكرة سابقة على المعرفة لأربعة أوجه ... (ينظر: الأشباه والنظائر: 2/ 47)، وقال في (همع الهوامع 1/ 186): " مذهب سيبويه والجمهور أن النكرة أصل، والمعرفة فرع ... "

ولعل الأستاذ الكريم أبا قصي - وفقه الله - يكرمنا بما عنده.

والله أعلم.

ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[01 - 05 - 2009, 06:20 م]ـ

أخي الحبيب المفضال / عبد العزيز

ما تفضلتَ به منتقَد من وجوهٍ:

الأول: أنك تفترِضُ أن يَّكون الواضعُ قد رأى فردًا من كلِّ جنسٍ قبلَ أن يَّرى سائِر الأفرادِ. وهذا افتراضٌ غيرُ مقبولٍ، لأنَّ واضعَ اللِّسانِ الأوَّلِ هو الله تعالَى، كما قال سبحانه: ((وعلَّم آدمَ الأسماءَ كلَّها))، سواءٌ كان هذا هو اللِّسانَ العربيَّ أم غيرَه. والله تعالَى يرَى الأشياءَ كلَّها، ولا يسبقُ شيءٌ شيئًا في علمِه.

الثاني: لو سلَّمنا أنَّ الواضِعَ هو الإنسانُ، فإنَّه ربَّما رأى من الجنسِ الواحدِ أفرادًا كثيرةً قبل التسميةِ. وإذا كان كذلك، لم يصِحَّ أن تكونَ أعلامًا.

الثالث: أنَّك تتصوَّر أنَّ الواضعَ للأشياء الحديثة مثلاً إنما يضعُ الأسماء من غيرِ نظرٍ للمعاني. وهذا مخالِف للواقع؛ فالذي سمَّى (الرائيَ) بهذا الاسم إنما سمَّاه بهذا لأنَّه آلةٌ على هيئةٍ معيَّنةٍ، لا لأنه شيءٌ من الأشياءِ يحتاج إلى تمييزٍ.

الرابع: أنَّه لو صحَّ هذا، لجاز لنا في الأشياء الجديدة أن نسميها بألفاظ مرتجلةٍ لا معانيَ لها، كما جاز لنا أن نسمِّي الذواتِ بأعلامٍ لا معاني لها. وهذا لا يجوزُ.

الخامس: ممَّا يدُلّ على أنَّ الأصل في الأسماء التنكير، وأنها موضوعة لجنس شائعٍ موجودٍ، أو مقدَّر وجوده، (الشمس)؛ فهي واحدةٌ، ومع ذلك ليست علمًا. ولو صَحَّ ما ذكرتَ، لكانت علمًا. ولا يلزمُ من وجودِ فردٍ واحدٍ من جنسٍ من الأجناسِ أن يَّكون علمًا.

السادس: ممَّا يدُلُّ على أنها ليست أعلامًا أن الأعلام إنما تشيع بالتعيين لكلِّ فرد منها؛ فمثلاً: (زيد) إنما شاعَ بين الناس، وتعدَّد المتسمونَ به من طريق تسمية كلِّ فردٍ منهم بعينه. وإذا وجِد اثنان أو أكثر كلٌّ منهم اسمُه (زيدٌ)، فإنما ذلك بالاتّفاقِ، وليس بالوضع. ولو صحَّ ما ذكرتَ، لكانَ يجِب تعيينُ كلِّ فردٍ من الجنسِ بنفسِه. ولا يجوز أن تتعيَّن الأعلام بالمشابهةِ، كما لو أنك أسميتَ رجلاً (محمدًا)، ثم رأيتَ رجلاً يشبهُه، لم تسمِّه (محمدًا) لهذه العلَّةِ.

السابع: أنَّا لو افترضنا أنَّها صارت أعلامًا، لما جاز أن تنكَّرَ لمجرَّد التوافق في اللفظ، كما لا يُنكَّر اسم (محمد) مثلاً معَ كثرة من يتسمَّى به؛ وإنما يُنكَّر العلمُ في مواضعَ أخرى معروفةٍ.

مع الشكر الجزيل.

---

وما أورده أخونا الفاضل الأستاذ / عمار، فلعلَّه ليس الذي أنكره أخونا الأستاذ / عبد العزيز؛ وإنما أرادَ أنَّ الأسماء في الأصل أعلامٌ، ثم نُكِّرت، ثم عُرِّفت ثانية.

وشكرًا لكم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015