ملتقي اهل اللغه (صفحة 2927)

أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)

هذه الآيات قابلة لأن تقرأ وفق ثلاث خطابات-على أقل تقدير-

أ- خطاب العلم

ب- خطاب الامتنان

ج- خطاب الحجاج

1 - الخطاب العلمي:

تمنح الآيات لمتدبرها مجموعة من الحقائق عن العالم الطبيعي:

فآية "أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) " تختزل تاريخ الأرض برمته ... فعل الجعل دال هنا على التحويل والتصيير بقرينة المهاد .. قال الحلبي في عمدة الحفاظ:

"المهاد المكان الموطأ من مهّدت الأرض ومهدتها أي وطأتها .. "

والتوطئة لا تكون إلا شيئا فشيئا فهي مقومة بالفعل المتكرر خلال زمن ممتد كما في توطئة الطريق ..

فيؤخذ من الآية أن الأرض في بداية أمرها لم تكن صالحة لاحتضان الحياة وإنما أصبحت كذلك بعد عهود حدثت فيها تطورات كبرى: مثل برودتها التدريجية، وسكونها من البراكين والزلازل وتكون قشرتها واحتفاظها بغلافها الجوي وغير ذلك ...

قال الحلبي:

"وقريء في طه مهدا ومهادا فالمهاد كالفراش والمهد كالفرش وزنا ومعنى."

فيكون في كلمة مهاد دقة عجيبة في تصوير تركيبة الارض ... على اعتبار أن بنية المهد تقتضي طبقتين متضادتين:

طبقة صلبة (من حديد أو خشب –مثلا-) هي الاساس الذي يضمن استقرار الوليد

وطبقة لينة (من صوف أوشعر –مثلا-) لتكسر شوكة الطبقة الصلبة فلا يتاذى جسم الوليد ...

والأرض مثل المهد تماما من هذه الجهة فقشرتها كفراش وثير تحته شدة وقساوة .. كما في قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات: 48]

الكلام على وتدية الجبال، والسموات السبع والشمس الموصوفة بالسراج الوهاج، مستفيض عند المشتغلين بالتفسير العلمي للقرآن فلا نكرره،

وإنما نكتفي بالاشارة إلى "دلالة المجاورة" في قوله: وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)

فالتجاور الذكري للشمس وإنزال الماء إشارة إلى التجاور السببي بين الأمرين: الشمس مسببة لتبخر الماء الذي سينزل ماء بعد ذلك .. لاسيما وأن الشمس موصوفة هنا بالتوهج الشديد وهي الصفة المؤثرة في الدورة المائية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015