ملتقي اهل اللغه (صفحة 2928)

النقد الأدبي ... وأشباه النُّقَّاد

ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[24 - 05 - 2009, 04:50 م]ـ

قال أبو فهر محمود محمد شاكر: (وإذا نُزِعَ الحياء كثر البلاء) [جمهرة مقالات الأستاذ محمود شاكر 2/ 828].

لهذا المقال قِصَّةٌ أسوقها إليك – أيها القارئ الكريم – لِتَفْهَم عنِّي ما أقولُ، وتُقْبِل إليَّ بوجه الرِّضى والقَبُول.

حدَّثني صاحبي – وهو شاعرٌ مُفْلِقٌ ثِقَةٌ – أنَّ أَحَدَ النُّقَّاد عَرَضَ عليه أن يُصَنِّفَ كتابًا يحشوه بدراسات نقديَّة لقصائد صاحبنا تُعْلِي ذِكْرَه وتُظْهِر أَمْرَه، فلمَّا رَدَّهُ صاحبي وأَنْكَرَ عليه، تَغَيَّرَ له، وعاب عليه شِعْرَهُ وذَمَّه!

هذا النَّاقِدُ وأمثاله مِنْ أشباه النُّقَّادِ لهم ظهورٌ على السَّاحة النَّقدية العربيَّة الحديثة أَفْسَدَ رَوْنَقَ النَّقْدِ الأدبيِّ وأَضَرَّهُ، وَخَرَجَ على أصوله وقواعده ... فلا أمانة في النَّقْدِ، ولا نزاهة في إطلاق الأحكام، ولا إنصاف في دراسة النَّصِّ. ولا غرو! فهؤلاء يصدرون عن نفوسٍ تسوسها الشَّهوات، تراهم رُكَّعًا سُجَّدًا بين يَدَيْ نصوصٍ زَيَّنَتْها لهم أهواؤهم الجامحة، فلا يلتفتون إلاَّ إليها، ولا يحتفلون إلا بها ... يَقِفُونَ على ما لا يستحقُّ الوقوف، ويتَخَيَّرون مِنَ النُّصوص ما يتخيرون، وَيَسْتَبْدِلُونَ الذي هو أدنى بالذي هو خير، مستفرغين مجهودهم في دِراساتٍ لم تَسْلَم مِنْ فَسَادِ التَّكَلُّفِ، وَسَمَاجَةِ التَّمَسُّحِ والتَّزَلُّفِ!

والنَّقْدُ في يد هؤلاء كالسَّيف البَتَّار يَضْرِبُونَ به رقاب مَنْ يُبْغِضُون، ويذودون به عَنْ حِياضِ مَنْ يَتَقَرَّبون إليهم، يَرفعون أقواما، ويضعون آخرين! ولسان حالهم يُنشِدُ:

وَمَنْ لم يَذُدْ عن حَوْضِه بِسِلاَحِهِ ** يُهَدَّمْ ومَنْ لاَ يَظْلِمِ النّاسَ يُظْلَمِ!

وإنْ كانت غايةُ النَّقْدِ التَّمْيِيزَ بين الجَيِّد والرَّدِيء مِنَ النُّصوص، فأين هؤلاء مِمَّا نَقُولُ!

ويا ليت شِعري، كيف يكونُ النَّاقِدُ – إن كان حَالُهُ كَحَالِ هؤلاء - صادقًا في أحكامه، نزيها في تحليلاته، لا يُخاتِلُ ولا يُجَامِلُ؟!

إنَّ النَّقْدَ الأدبيَّ عِلْمٌ له أصولٌ وقواعدُ ومُصْطَلَحاتٌ وأدواتٌ، وهو فَنٌ صَعْبُ المرتقى، لا يُحْسِنُهُ إلا ذو عِلْمٍ وَخِبْرَة وَدِرَاية، وإنَّما يقوم على الفهم والتَّحليل، والفَحْصِ والتَّعليل، والإنصاف والنَّزاهة في الحُكْمِ على المَنْقودِ، ولا يكونُ النَّقْدُ صَادِقًا سَدِيدًا إلا إذا تَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ ما قد يُؤثِّرُ في أحكامه أو يُفْسِدُها.

وإنَّ مِنْ أضرّ ما ابتليت به حركة النَّقد العربية الحديثة غياب النُّقَّاد المُنْصِفين عن السَّاحة النَّقدية، أو ضَعْف حضورهم وقِلَّة إنتاجهم ... فَغَلَبَ السَّوادُ البياضَ، والرَّديءُ الجَيِّدَ.

فما أحوجنا إليكم معشر النُّقاد المنصِفين! وما أحوجنا إلى نَقْدٍ عِلْمِيٍّ نزيهٍ يُصْلِحُ ما فَسَدَ، ويُقَوِّمُ ما اعْوَجَّ، ينسبُ الفضل إلى أهله، ويَرُدُّ الحقَّ إلى أصحابه، وَيُعِيدُ قافلة النَّقد إلى طريق الاستقامة والعدل والإنصاف.

عَمَّار محمد الخطيب

[مقالٌ منشور في رابطة أدباء الشام، العدد: 303 بتاريخ 2009/ 5/23]

ـ[أبو نوارة]ــــــــ[25 - 05 - 2009, 06:50 م]ـ

أشكرك على هذا المقال المميز ومزيدا من النقولات عن هذا البحر الزاخز أبي فهر رحمه الله

ـ[المدقق اللغوي]ــــــــ[08 - 09 - 2009, 12:34 ص]ـ

موفق إن شاء الله، وغفر الله للشيخ أبي فهر، كان نعم الرجل.

ـ[الأديب النجدي]ــــــــ[08 - 09 - 2009, 04:12 ص]ـ

الأستاذَ عمّارَاً الخطيبَ!

بورِكَ قلمُكَ، ما أحسنَ ما كتبتَ، أتدري صارَ بعضُ نُقّادِ اليومِ لا يُحسِنُ العربيّة!

إحسانَ الطالبِ فكيفَ بالناقِدِ، فتجِدُ في كتابةِ الناقدِ الأخطاءَ اللغويّةَ، والأسلوبَ العربيَّ الضعيفَ، فليستِ المُشكِلةُ الوحيدةُ عدمَ الإنصافِ بل الضعفَ في النَّاقدِ، والله ُ المُستعان.

((إنَّ النَّقْدُ الأدبيُّ)) لعلّه سبقُ قلمٍ، ومِثلُكَ لايَخفى عليهِ هذا.

ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[19 - 09 - 2009, 02:36 ص]ـ

الأستاذَ عمّارَاً الخطيبَ!

بورِكَ قلمُكَ، ما أحسنَ ما كتبتَ، أتدري صارَ بعضُ نُقّادِ اليومِ لا يُحسِنُ العربيّة!

إحسانَ الطالبِ فكيفَ بالناقِدِ، فتجِدُ في كتابةِ الناقدِ الأخطاءَ اللغويّةَ، والأسلوبَ العربيَّ الضعيفَ، فليستِ المُشكِلةُ الوحيدةُ عدمَ الإنصافِ بل الضعفَ في النَّاقدِ، والله ُ المُستعان.

((إنَّ النَّقْدُ الأدبيُّ)) لعلّه سبقُ قلمٍ، ومِثلُكَ لايَخفى عليهِ هذا.

جزاكمُ الله خيرا، وبارك الله فيكم. لم أنتبه إلى منازعتك إلا اليوم!

ما أشرتَ إليه هو سبق قلم، والعبارة في الأصل: " النقد الأدبي علمٌ ... "، لكنَّ أخاك نسي تحرير ما يجب تحريره بعد إدخال الحرف الناسخ عليها (وهذا أحد عيوب العبارات المشكولة!) ... فلعل من يملك صلاحيات التحرير يكرمنا بتصحيح العبارة ونحن له من الشاكرين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015