ملتقي اهل اللغه (صفحة 2926)

فكيف يمكن أن تشير الآية إلى نفسها؟

وكيف يعقل اتحاد المشير والمشار إليه؟

يمكن للمرء أن يشير بأصبعه إلى أي شخص آخر ..

بل يمكن أن يشير إلى نفسه .. لكن الأصبع -وهو قطعا جزء من الذات-لا يمكن أن يدخل في حيزالذات المشار إليها وهنا المفارقة!!

فقد يؤمر المرء أن يشير بأصبعه إلى عنقه فيشير إليه ... وإلى صدره فيشير إليه ... ولكن إذا قيل له أشر إلى الأصبع الذي اعتمدته في الإشارة إلى عنقك وصدرك لا يستطيع، إلا أن يستعمل أصبعا آخر .... أما إشارة الأصبع الواحد إلى نفسه فمحال لضرورة انفصال الدال عن المدلول!!

هل يجدي- هنا- التمييز بين اللغة الموضوع واللغة الشارحة (الميتالغة) لحل الإشكال!

نحسب أن مسألة الإشارة في مطلع البقرة تختلف عن مسألة "حديث القرآن عن نفسه".

ففي كل لغات الناس يمكن أن تستعمل اللغة للحديث عن نفسها كما في كتب النحو والمعاجم .. وهذه إحدى الوظائف اللغوية التي ذكرها جاكبسون وسماها الوظيفة الميتالغوية ضمن وظائف ستة في نظرية التواصل ....

لكن لا ريب أن الإشارة أخص من الحديث العام ... واللفظ المستعمل في الإشارة لا يمكن أن تكون له دلالة انعكاسية ..

وهل ينبني حل الإشكال على أساس التمييز بين الإشارة الشخصية والإشارة الكلية .. فلا يمكن أن تقع الإشارة الذاتية جزئيا ولكنها ممكنة الوقوع إذا كانت ضمن كل ... أعني أن حكم الدلالة على الجزء بعينه يختلف عن حكم الدلالة عليه بالواسطة أو العنوان الكلي!!

فتكون الإشارة إلى الكتاب (ذلك الكتاب لا ريب فيه) والإشارة إلى القرآن ({إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]) إشارتين مجملتين إلى الكل من غير اعتبار تفصيلي ... أقول من غير اعتبار تفصيلي لأنه سيترتب عنه إخراج الآيتين من مرجع المشار إليه (أي من الكتاب والقرآن) وهذا باطل .... والله أعلم.

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[30 - 05 - 2012, 06:36 م]ـ

85 -

أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)

لنلحظ من زاوية جمالية تناسق الحركة:

فهي صاعدة ثم نازلة ثم صاعدة كرة أخرى ...

الحركة الأولى تحمل الذهن في تصاعد تدريجي من الأرض فالجبال ثم السماء في طبقاتها السبع، وإن التعبير ب "بنينا" ليتيح للذهن استدامة الحركة من خلال تصور سماء بعد سماء أو طبقة بعد طبقة.

تتوقف الحركة الصاعدة عند حدود الشمس السراج الوهاج لتبدأ حركة عكسية، نازلة، مع أشعة الشمس والماء المتساقط من المعصرات .. ثم من الأرض تنبثق حركة صاعدة متجسدة في الحب والنبات والجنات الألفاف ... فتوحي الصورة في مشهدها العام بما يشبه الحوار بين الأرض والسماء في سياق الخلق والإيجاد ..

سمة "الصلابة والشدة "تترجم لتشاكل دلالي ملحوظ في العناصر الطبيعية كلها:

-وتدية الجبال قوة اختراق وشد

-قوة السماء ملحوظة في السبع –كمّا-،وفي وصفها بالشداد –كيفا- ..

-صيغة المبالغة في وصف توهج الشمس "سراجا وهاجا"

-يتسق اسم "المعصرات" مع الصورة العامة أكثر من اسم السحب لما في الأول من إيحاء بالضغط والشدة -فهو مشتق من العصر-

-قيد جمع الجنات ب"ألفافا" إيحاء بالمؤازرة في الاجتماع والالتفاف ..

فإذا جاءت الساعة خارت الطبيعة وتلاشت شدتها في ضربتين:

ضربة في السماء:

"وفتحت السماء فكانت أبوابا".

وضربة في الأرض:

"وسيرت الجبال فكانت سرابا"

فيكون التعبير قد اتخذ أسلوبين:

أسلوب التطويل والتفصيل عند وصف انبثاق الحياة ونموها واشتدادها ..

أسلوب الإيجاز عند وصف النهاية .. ولا يصلح لكل موضوع إلا أسلوبه .. ألا ترى أن الجنين يحتاج إلى شهور ليتشكل،على مهل، ولكنه لا يحتاج إلا لمثل واحدة كلمح البصر ليموت!!

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[09 - 06 - 2012, 04:00 م]ـ

85 -

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015