النسق جاور إنذارين وبشارة واحدة ... إشارة إلى غلبة الكفر على الإنسان كما نجد في فاتحة الكتاب:
الذين أنعمت عليهم
غير المغضوب عليهم
ولا الضالين
فريق واحد ناج،وفريقان هالكان ...
مثلما نجد هذا المعنى في قوله عليه السلام:
قاض في الجنة وقاضيان في النار ...
فالبشارة للأول والإنذاران لصاحبيه.
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[18 - 05 - 2012, 04:54 م]ـ
83 -
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)
المطلع حواري:
سائل يسأل:
-عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ؟
ومجيب يجيب:
-عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ..
ويحتمل المطلع أن يكون إخباريا: يبدأ المخبر بالاستفهام لإيقاظ الانتباه عند المتلقي وإثارة تشوقه توطئة لمده بالخبر المترقب ... بيد أن اعتبار الحوارية أبلغ ..
في الاستفهام إضمار مكان الإظهار لتبئيرالفعل .. فقد لا يكون كبير فائدة في تعيين وتخصيص المتسائلين وإنما تساؤلهم هو المثير للانتباه بقطع النظر عن هوية المتسائل ..
-عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ..
هاهنا مستويات ثلاث:
-الذين يتساءلون
-السائل عن تساؤلهم ..
-وسؤالنا –نحن-عن سؤال السائل ..
فمن الجلي أن سؤال الناس بعضهم لبعض أمر جبلي:فسؤالك "عم يتكلمان" لا ينبعث بمجرد أن ترى رجلين يتكلمان .. لأن الاستفهام ناشيء دائما عن توتر ومعبر عنه، فما دامت الأمور في مسارها العادي فلا توتر .. إذن فلا استفهام ..
ولكن، لو كان كلام الرجلين خارجا عن عادة الناس في الكلام وتلبس به ما هو غير مألوف، فحينئذ يكون السؤال "عم يتكلمان "حتميا ..
فهذا السائل" عم يتساءلون" ما صدر منه ذلك إلا وقد أحس أن تساؤلهم قد اتخذ أبعادا لا يحسن السكوت عليها ومن ثم ينزع الوعي نحو الموضوع الذي طبع التساؤلات ووسمها بالغرابة والشذوذ!!
ولما كانت الكلمَ تَترتَّب في النُّطقِ بسببِ تَرتُّبِ معانيها في النَّفس -كما قررالقاعدة عبد القاهر – أدركنا سر نظم السؤال في تقديم الجار والمجرور ومجيء الجواب المطابق بتقديم ما يسأل عنه: عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ..
لكن ما الذي جعل التساول باعثا على السؤال؟
"يتساءلون"
تعميم الفعل ينتصب عنه "مجتمع التساؤل":
ولصيغة الفعل خطر عظيم "فهم لا "يسألون" بل "يتساءلون" فمن مقتضيات الأول انتصاب مجتمع طبيعي ذي شقين سائلين ومجيبين .. لكن الثاني ينتصب عنه مجتمع غير طبيعي كل يسأل ولا من مجيب ... ففي مثل هذا المجتمع يسأل الأفراد فلا يكون الرد إلا السؤال بعينه أو مثله، وينبني عليه جحيم عقلي ونفسي لا يوصف:فعقول الناس لا تحتمل الدوران في حلقة مفرغة .. وقلوبهم لا تطمئن لمثل هذا السلوك،فلا "أسأل" إلا وعندي توتر، ولا "أسألك أنت "إلا وعندي أمل في جواب منك ينجيني من التوتر .. أما أن يكون جوابك سؤالا فهذا تغليظ للتوتر ومنتهى الشعور بالإحباط.
عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ.
الجواب يتضمن الاستخفاف والتسفيه ..
فهؤلاء منغمسون في اللامعنى وتحصيل الحاصل ...
فالعبث يأتي من جهتين:
من جهة التساؤل الذي يفترض هيمنة السؤال وغياب المجيب ..
ومن جهة الاختلاف .. فعلى تقدير وجود جواب فهو لا يزيل التوتر أبدا بل هو مظنة الحيرة فجواب هذا مختلف عن جواب ذلك ..
وعليه يكون هذا المجتمع محكوما بقطبين متضادين غياب مطلق للجواب ينشأ عنه الإحباط، أو تعدد غير معقول في الجواب ينشأ عنه الحيرة.!!
وجاء التعبير عن الأمرين بأسلوب التجدد وأسلوب التثبيت:
"يتساءلون"
"هم فيه مختلفون"
فأما الجملة الفعلية فقد أفادت تجدد التساؤل منهم، وأما الجملة الإسمية فقدأفادت ثبات الاختلاف .. فهم بين مطرقة التساؤل الدال على تجدد التوتر وبين سندان الاختلاف الذي يسلب عن السؤال كل معنى ..
ثم إن الأعجب في كل هذا:
اللغو في المقام الجاد ..
فالتساؤل على هذا النمط مستساغ في مقام الدعة والهزل ... والاختلاف مقبول في الرياضات العقلية، والتحاذق الذهني مستساغ في الميتافزيقات .. لكن إذا تعلق الأمر بالنبأ العظيم ...
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[23 - 05 - 2012, 04:52 م]ـ
84 -
{الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) [البقرة]
اعلم أن في الآية مفارقة نسميها "مفارقة الإشارة"
الآية تشير إلى الكتاب:"ذلك الكتاب"
والآية نفسها من الكتاب –قطعا-
¥