ثُمَّ قَدْ يَكُونُ تَقَدُّمُ الْجُمْلَةِ فِي اللَّفْظِ؛ كَمَا فِي الْمَوَاضِعِ السَّابِقَةِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي النِّيَّةِ وَالتَّقْدِيرِ، وَمِثَالُ هَ?ذَا الثَّانِي مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي النَّظْمِ مِن نَحْوِ: «إِنْ حَفِظَ الطَّالِبُ أُكْرِمُهُ» بِالرَّفْعِ، فَإِنَّ «أُكْرِمُهُ» لَيْسَ هُوَ الْجَوَابَ، وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلُ الْجَوَابِ، وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ نِيَّةً، وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ: «أُكْرِمُ الطَّالِبَ إِنْ حَفِظَ أُكْرِمْهُ».
هَ?ذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ الْمُبَرَّدُ، وَزَعَمَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ الْجَوَابُ، فَادِّعَاءُ كَوْنِهِ مُقَدَّمًا إِخْرَاجٌ لَهُ عَن مَوْضِعِهِ، وَهُوَ دَعْوَى? مِن دُونِ دَلِيلٍ. وَلِذَا حَمَلَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى? وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ: الْفَاءُ قَبْلَ الْفِعْلِ مُقَدَّرَةٌ، وَالْفِعْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى? مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، وَتَقْدِيرُ الْمِثَالِ: «إِنْ حَفِظَ الطَّالِبُ فَأَنَا أُكْرِمُهُ»، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ?وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ الله مِنْهُ?.
وَالَّذِي صَحَّحَهُ النَّاسُ مَذْهَبُ غَيْرِ الْمُبَرَّدِ؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْفَاءِ مِنَ الْجَزَاءِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ، وَهَ?ذَا كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ، فَكَثْرَتُهُ دَالَّةٌ عَلَى? أَنَّهُ لَيْسَ مِن ذَ?لِكَ الْقَبِيلِ.
وَقَدْ عَقَدَ ذَ?لِكَ بَعْضُ مَن نَظَمَ «شُذُورَ الذَّهَبِ» مَعَ ذِكْرِهِ لِحَذْفِ الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ:
وَحَذْفُ شَرْطٍ لِدَلِيلٍ دَلَّا ** عَلَيْهِ جَازَ إِن تَلَا «وَإِلَّا»
كَذَا جَوَابٌ شَرْطُهُ مَاضٍ؛ كَمَا ** فِي ?فَإِنِ اسْتَطَعْتَ?؛ مِمَّا عُلِمَا
وَعَن جَوَابِ الشَّرْطِ حَتْمًا أَغْنَى? ** دَلِيلُهُ فِي اللَّفْظِ أَوْ فِي الْمَعْنَى?
وَإِشَارَةً إِلَى? مَا مَضَى? قَالَ: (قَالَ سِيبَوَيْهِ) رحمه الله تَعْلِيقًا عَلَى? مِثَالِ «إِنْ حَفِظَ الطَّالِبُ أُكْرِمُهُ»: الْمَذْكُورُ بَعْدَ الشَّرْطِ الْمَرْفُوعُ فِي الظَّاهِرِ هُوَ (دَلِيلُهُ) أَيْ: دَلِيلُ الْجَوَابِ، لَا الْجَوَابُ نَفْسُهُ، (وَجُلُّهُمْ) أَيْ: جُلُّ النَّاسِ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى? هَ?ذَا التَّخْرِيجِ الَّذِي قَرَّرَهُ شَيْخُ النُّحَاةِ.
(فَهْوَ) بِإِسْكَانِ الْهَاءِ، أَيْ: هَ?ذَا الْمَذْكُورُ الْمَرْفُوعُ (إِذًا مُقَدَّمٌ فِي النِّيَّةِ)، وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ، وَحَذْفُهُ وَاجِبٌ فِي مِثْلِ هَ?ذَا؛ لِأَنَّ دَلِيلَهُ جُمْلَةٌ مَذْكُورَةٌ بِلَفْظِهَا.
وَ (مَا الْفَاءُ) الرَّابِطَةُ -فِي هَ?ذَا الْمِثَالِ- (مَعْ مُبْتَدَإٍ) يُسْنَدُ إِلَيْهِ الْفِعْلُ الْمَذْكُورُ ــــــ لِيَكُونَ جُمْلَةَ الْجَوَابِ الْمَجْزُومَةَ ــــــ مَحْذُوفَةً (مَنْوِيَّةً) أَيْ: مُقَدَّرَةً، وَهَ?ذَا التَّخْرِيجُ الثَّانِي الَّذِي للْمُبَرَّدِ.
(وَقَد تَجِي) ءُ الْجُمْلَةُ الَّتِي لَهَا مَحَلٌّ: (تَابِعَةً لِمُفْرَدٍ)، وَهِيَ الْجُمْلَةُ السَّادِسَةُ، فَمَحَلُّهَا حِينَئِذٍ بِحَسَبِ مَتْبُوعِهَا، فَقَدْ يَكُونُ رَفْعًا، أَوْ نَصْبًا، أَوْ جَرًّا، أَوْ جَزْمًا، وَدَلِيلُ أَنَّ لَهَا مَحَلًّا مِنَ الْإِعْرَابِ: ظُهُورُ ذَ?لِكَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا الْمُفْرَدِ؛ كَقَوْلِ الرَّاجِزِ:
يَا لَيْتَنِي قَدْ زُرْتُ غَيْرَ حَارِجِ ** أُمَّ صَبِيٍّ قَدْ حَبَا أَوْ دَارِجِ
(أَوْ) تَجِيءُ تَابِعَةً لِـ (جُمْلَةٍ) أُخْرَى? (مِمَّا مَضَى?) مِنَ الْجُمَلِ السِّتِّ اللَّاتِي لَهُنَّ مَحَلٌّ مِنَ الْإِعْرَابِ، (فَتَقْتَدِي) هَ?ذِهِ الْجُمْلَةُ التَّابِعَةُ بِتِلْكَ الْجُمْلَةِ، فَيَكُونُ لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الْإِعْرَابِ، وَهِيَ الْجُمْلَةُ السَّابِعَةُ.
وَمَحَلُّهَا بِحَسَبِ مَتْبُوعِهَا.
¥