ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى? مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: (فَإِنْ خَلَتْ) جُمْلَةُ الْجَوَابِ مِنَ الِاقْتِرَانِ بِالْفَاءِ أَوْ «إِذَا» فِي حَالِ كَوْنِهَا (فِعْلِيَّةً فَالْمَوْضِعُ) أَيْ: مَوْضِعُ الْجَزْمِ حِينَئِذٍ مَحْكُومٌ بِهِ (لِلْفِعْلِ وَحْدَهُ)؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْجَوَابُ، لَا لِلْجُمْلَةِ بِأَسْرِهَا، فَإِن كَانَ مُضَارِعًا ظَهَرَ الْجَزْمُ فِي لَفْظِهِ، وَإِن كَانَ مَاضِيًا فَالْجَزْمُ لِمَحَلِّهِ، وَلِذَ?لِكَ عُطِفَ عَلَيْهِ بِفِعْلٍ مُضَارِعٍ مَجْزُومٍ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى?: ?إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِن ذَلِكَ جَنَّ?تٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَ?رُ وَيَجْعَلْ لَّكَ قُصُورًا?؛ عَلَى? قِرَاءَةِ الْجَزْمِ، وَعَلَيْهَا الْعَشَرَةُ، غَيْرَ ابْنِ كَثِيرٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَشُعْبَةَ، فَلَوْ كَانَ الْمَحَلُّ هَهُنَا لِلْجُمْلَةِ -جُمْلَةِ «جَعَلَ» - بِأَسْرِهَا = لَمْ يُجْزَمِ الْمُضَارِعُ الْمَعْطُوفُ قَطُّ.
(وَ) بِذِكْرِهِ لِلْفِعْلِ الَّذِي يَقَعُ جَوَابًا اسْتَطْرَدَ بِذِكْرِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ، فَقَالَ: (حَيْثُ يُرْفَعُ) الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ ــــــ فِي الظَّاهِرِ ــــــ جَوَابُ الشَّرْطِ، أَيْ: وَهُوَ مُضَارِعٌ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ لَا يُعْرَبُ مِنْهَا لَفْظًا إِلَّا الْمُضَارِعُ، (وَالشَّرْطُ مَاضٍ)، أَيْ: فِي حَالِ كَوْنِ فِعْلِ الشَّرْطِ مَاضِيًا، وَذَ?لِكَ نَحْوُ قَوْلِكَ: «إِن حَفِظَ الْطَّالِبُ أُكْرِمُهُ».
وَقَبْلَ أَنْ أَعْرِضَ لِحَلِّ بَقِيَّةِ النَّظْمِ أَوَدُّ أَنْ أُصَوِّرَ لَكَ الْمَسْأَلَةَ تَصْوِيرًا قَرِيبًا، بِهِ تَفْهَمُ -إِن شَاءَ اللَّهُ-، وَلَا بُدَّ مِن ذِكْرِ مُقَدِّمَةٍ.
فَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَ?ذَا الْمَقَامِ فَرْعُ الْكَلَامِ فِي مَسْأَلَةِ «حَذْفِ جَوَابِ الشَّرْطِ»، فَلَا بُدَّ مِن تَقْرِيرِهَا؛ حَتَّى? يَتَبَيَّنَ الْمُرَادُ.
فَالْعَرَبُ قَدْ تَحْذِفُ جَوَابَ الشَّرْطِ، إِمَّا جَوَازًا، وَإِمَّا وُجُوبًا، وَعِندَ النُّحَاةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلِّ ذَ?لِكَ مِن شَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: كَوْنُ فِعْلِ الشَّرْطِ مَاضِيًا، سَوَاءٌ أَكَانَ مُضِيُّهُ فِي اللَّفْظِ؛ كَنَحْوِ: ?وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ?، أَمْ فِي الْمَعْنَى?؛ بِأَن دَخَلَتْ عَلَيْهِ «لَمْ» الَّتِي تَقْلِبُ زَمَانَهُ إِلَى الْمُضِيِّ، كَنَحْوِ: ?وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَمْ يَكن لَّهَا وَلَدٌ?.
وَالثَّانِي: الْعِلْمُ بِالْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ، وَذَ?لِكَ أَن يَدُلَّ لَهُ دَلِيلٌ فِي السِّيَاقِ قَبْلَ الشَّرْطِ.
ثُمَّ هَ?ذَا الدَّلِيلُ نَوْعَانِ: إِمَّا أَن يَكُونَ جُمْلَةً مَذْكُورَةً فِي ذَ?لِكَ الْكَلَامِ الَّذِي فِيهِ الشَّرْطُ مُتَقَدِّمَةَ الذِّكْرِ عَلَيْهِ، وَإِمَّا أَن لَا يَكُونَ، بَلْ يَكُونُ مَفْهُومًا مِنَ السِّيَاقِ.
فَالْأَوَّلُ كَالْمِثَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، فَالْجَوَابُ فِيهِمَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فِي الْأَوَّلِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-: «وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ»، فَجُمْلَةُ: «اتَّقُوا اللَّهَ» الْمَذْكُورَةُ هِيَ دَلِيلُ الْجَوَابِ، وَهِيَ جُمْلَةٌ مُتَقَدِّمَةٌ عَنِ الشَّرْطِ فِي الذِّكْرِ.
وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ.
وَالثَّانِي كَنَحْوِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ?قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا?؛ فَإِنَّ تَقْدِيرَ الْجَوَابِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-: «فَلَا تَقْرَبْنِي»، وَهَ?ذَا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذِكْرٌ، لَ?ـكِن يُفْهِمُهُ قَوْلُهَا قَبْلُ: «أَعُوذُ بِالرَّحْمَ?نِ مِنكَ»، فَإِنَّ الْعَوْذَ مَعْنَاهُ الِاحْتِمَاءُ بِاللَّهِ مِن كُلِّ ضَارٍّ، وَمِنْهُ قِرْبَانُهُ إِيَّاهَا.
وَلَهُ نَظَائِرُ، مِنْهَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ?فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِئَايَةٍ?.
فَأَمَّا أَوَّلُ النَّوْعَيْنِ؛ فَحَذْفُ الْجَوَابِ فِيهِ وَاجِبٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ فِيهِ جَائِزٌ.
¥