(وَلَيْسَ مِنْهَا) أَيْ: مِن هَ?ذِهِ الْجُمْلَةِ السَّابِعَةِ الَّتِي هِيَ تَابِعَةٌ لِجُمْلَةٍ لَهَا مَحَلٌّ، لَيْسَ مِنْهَا (الْعَطْفُ) فِي حَالِ كَوْنِهِ (نَحْوَ) قَوْلِكَ: (قَالَا) بِأَلِفِ الْإِطْلَاقِ (زَيْدٌ: «أَبِي قَامَ وَعَمْرٌو قَالَا») بِأَلِفِ الْإِطْلَاقِ؛ كَذَ?لِكَ، فَجُمْلَةُ «عَمْرٌو قَالَ» فِي هَ?ذَا الْمِثَالِ مَعْطُوفَةٌ عَلَى? «أَبِي قَامَ»؛ بِاعْتِبَارِهَا جُمْلَةً ابْتِدَائِيَّةً لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ، فَلَا يَكُونُ لِلْمَعْطُوفَةِ مَحَلٌّ، وَلَيْسَتْ «عَمْرٌو قَالَ» مَعْطُوفَةً عَلَى? «أَبِي قَامَ» بِاعْتِبَارِهَا مَفْعُولًا بِهِ مَحْكِيًّا بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْمَقُولَ الْمَحْكِيَّ هُوَ مَجْمُوعُ الْجُمْلَتَيْنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا وَالْمَعْطُوفَةِ، لَا الْجُمْلَةِ الْأُولَى? وَحْدَهَا.
وَ «قَالَ» الثَّانِي فِعْلٌ مَاضٍ مِنَ الْقَيْلُولَةِ، فَمَعْنَاهُ غَيْرُ مَعْنَى الْأَوَّلِ، فَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ إِيطَاءٌ.
وَقَوْلُهُ: «نَحْوَ» بِالنَّصْبِ وَجْهًا وَاحِدًا؛ حَالٌ مِن «الْعَطْفِ»، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي «مِنْهَا»، وَهُوَ مُقَيِّدٌ لِجُمْلَةِ الْعَطْفِ الَّتِي لَا يَكُونُ لَهَا مَحَلٌّ بِمَا وَصَفَ النَّاظِمُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْعَطْفَ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ لَا يَلْزَمُ أَن لَا يَكُونَ لَهُ مَحَلٌّ، وَهُوَ كَذَ?لِكَ، فَقَدْ يَكُونُ لَهُ مَحَلٌّ، وَقَدْ يَكُونُ لَا مَحَلَّ لَهُ؛ حَسَبَ السِّيَاقُ، وَالْغَرَضُ أَنَّ الْعَطْفَ فِي مَا ذَكَرَ لَيْسَ مِن الْجُمَلِ التَّوَابِعِ لِمَا لَهُ مَحَلٌّ.
وَهَذَا الْمَوْضِعُ مُعْتَبَرٌ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عِندَ الْأُصُولِيِّين، وَنَوْعُهُ هُنَا مَفْهُومُ الصِّفَةِ، فَالْحَالُ عِندَهُمْ مِنَ الْأَوْصَافِ، وَقَدْ عَدَّ ابْنُ عَاصِمٍ الْغَرْنَاطِيُّ فِي «مُرْتَقَى الْوُصُولِ» جُمْهُورَ أَنْوَاعِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، فَقَالَ:
فِي الشَّرْطِ وَالْغَايَةِ ذَا الْمَفْهُومُ قَدْ ** جَاءَ، وَفِي اسْتِثْنَا، وَحَصْرٍ، وَعَدَدْ
وَجَاءَ فِي الْعِلَّةِ، وَالزَّمَانِ ** وَالْوَصْفِ بِالْخُلْفِ، وَالْمَكَانِ
ثُمَّ بَعْدَ أَن تَمَّ لَهُ تَعْدَادُ الْجُمَلِ السَّبْعِ الَّتِي لَهَا مَحَلٌّ بِمَا فِيهَا، وَكَانَ قَدْ مَثَّلَ بَعْضَهَا، وَأَهْمَلَ تَمْثِيلَ بَعْضٍ: أَرَادَ أَن يُقَرِّبَهَا بِمِثَالٍ مُرَكَّبٍ جَامِعٍ، فَقَالَ -غَفَرَ اللَّهُ لَهُ-: (فَهَ?ذِهِ) الْجُمَلُ السَّوَالِفُ (سَبْعٌ) كُلُّهُنَّ لَهُنَّ مَحَلٌّ مِنَ الْإِعْرَابِ، وَإِيَّاهُنَّ (عَنَى) أَيْ: قَصَدَ الْعَلَّامَةُ أَبُو جَمِيلٍ (الزَّوَاوِي) –بِالتَّخْفِيفِ- فِي نَظْمِهِ (بِقَوْلِهِ مُمَثِّلًا لِلْآوِي) أَيْ: اللَّاجِئِ إِلَى? نَظْمِهِ مُسْتَفِيدًا، وَجَلَبْتُ هَ?ذَا التَّمْثِيلَ مِنْهُ -وَإِن كَانَ غَالِبُهُ قَدْ سَبَقَ مُفْرَدًا- لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ، وَلِجَمْعِ تَفَارِيقِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ.
وَقَدْ رَكَّبَ الزَّوَاوِيُّ مِثَالًا وَاحِدًا يَنتَظِمُ هَ?ذِهِ الْجُمَلَ السَّبْعَ، فَقَالَ: (مَن ظَنَّنِي) مِنَ الْإِخْوَانِ (أَعْلَمْتُهُ فَضْلِي ظَهَرَ) وَاتَّضَحَ (إِذْ صُغْتُ نَظْمًا) فِي قَوَاعِدِ الْإِعْرَابِ (اسْتَنَارَ) وَأَشْرَقَ وَأَضَاءَ؛ مِن جَمَالِهِ وَكَثْرَةِ فَائِدَتِهِ (وَزَهَرَ) وَتَلَأْلَأَ وَلَمَعَ؛ مِن تَوَهُّجِهِ (فَاللَّهُ) سُبْحَانَهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، فَهُوَ (يَعْلَمُ أَكُنتُ) حِينَ صُغْتُ النَّظْمَ (كِدتُ أَقُولُ) مُتَحَدِّثًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ عز وجل عَلَيَّ وَالْحَالُ أَنِّي (أَنْوِي الْخَيْرَ) لَا الْفَخْرَ وَالْكِبْرِيَاءَ: (إِنِّي سُدتُّ) غَيْرِي بِمَا نَظَمْتُ.
وَمَعْنَى? هَ?ذَا التَّرْكِيبِ قَرِيبٌ.
¥