وَمِمَّا يُجَلِّي الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ: ?وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَ?ئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُم مَا يَشَاءُون عِندَ رَبِّهِمْ ذَ?لِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ?، فَبَيَّنَ أَنَّ مَن أَقَرَّ بِالصِّدْقِ الَّذِي أَنزَلَهُ اللَّهُ عَلَى? رَسُولِه = هُوَ الْمُتَّقِي، وَعَدَّ مِن ثَوَابِهِ وَحَمِيدِ عَاقِبَتِهِ، وَذَكَرَ مِن ذَ?لِكَ أَنَّ اللَّهَ يَجْزِيهِ أَجْرَهُ بِأَحْسَنِ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الدُّنْيَا، وَهَ?ذَا دَلِيلٌ لِأَنَّ الصَّادِقَ كَانَ يَعْمَلُ الْحَسَنَاتِ، وَأَنَّ الْإِشَادَةَ بِصِدْقِهِ لَا تَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ إِلَّا بِذَ?لِكَ، فَكَذَ?لِكَ الآيَةُ الْأُخْرَى?.

وَإِشْبَاعُ الْكَلَامِ فِي هَ?ذَا لَيْسَ الْمَوْضِعُ مَحَلًّا لَهُ، وَالْغَرَضُ التَّنبِيهُ؛ لِكَثْرَةِ مَا يَقَعُ الْغَلَطُ فِي هَ?ذِهِ الْمَسَائِلِ؛ فِي هَ?ذِهِ الْأَيَّامِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

الثَّانِي: تَحَاشَيْتُ فِي النَّظْمِ التَّعْبِيرَ بِـ «الصُّغْرَى? وَالْكُبْرَى?» مُجَرَّدَتَيْنِ مِنْ «أَلْ»؛ كَمَا وَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ = جَرْيًا عَلَى الشَّائِعِ؛ مِنْ أَنَّ «أَفْعَلَ فُعْلَى?» إِذَا لَمْ يُحَلَّ بِـ «أَلْ»، وَلَمْ يُضَفْ إِلَى? مَعْرِفَةٍ = يَجِبُ إِفْرَادُهُ وَتَذْكِيرُهُ، وَلَوْ كَانَ مَدْخُولُهُ مُؤَنَّثًا أَوْ مَجْمُوعًا؛ كَمَا فِي «الْخُلَاصَةِ»:

وَإِن لِمَنكُورٍ يُضَفْ أَوْ جُرِّدَا ** أُلْزِمَ تَذْكِيرًا، وَأَن يُوَحَّدَا

وَرُبَّمَا طَابَقَ الْمَجْمُوعَ قَلِيلًا؛ إِذَا لَمْ يُرَدْ بِهِ التَّفْضِيلُ، وَذَ?لِكَ فِي قَوْلِ الْفَرَزْدَقِ:

إِذَا غَابَ عَنكُمْ أَسْوَدُ الْعَيْنِ كُنتُمُ ** كِرَامًا وَأَنتُمْ مَا أَقَامَ أَلَائِمُ

فَإِنَّ الْأَصْلَ أَن يَقُولَ: أَلْأَمُ، وَالْمَقْصُودُ: لَائِمُونَ، أَوْ: لُوَّامٌ.

وَصَحَّحَ ابْنُ مَالِكٍ رحمه الله فِي «شَرْحِ التَّسْهِيلِ» جَوَازَ التَّأْنِيثِ؛ قِيَاسًا عَلَى الْجَمْعِ، وَعَلَى? هَ?ذَا الْوَجْهِ يَجُوزُ أَن يُقَالَ: «صُغْرَى? وَكُبْرَى?»؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُرَادُ بِهِمَا التَّفْضِيلُ.

وَابْنُ هِشَامٍ رحمه الله مَشَى? عَلَى? مُقْتَضَى التَّجْوِيزِ فِي «مُغْنِي اللَّبِيبِ»، وَكَانَ قَدْ نَصَّ فِي «شَرْحِ الْقَطْرِ» عَلَى? أَنَّهُ لَحْنٌ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ فِيهِ أَن يُرَبِّيَ الطَّالِبَ الْمُبْتَدِئَ عَلَى اعْتِيَادِ أَفْصَحِ الْكَلَامِ وَأَصْوَبِهِ؛ فَـ «الْقَطْرُ» سُلَّمٌ لِذَ?لِكَ.

وَهَ?ذَا الَّذِي اتَّخَذَهُ ابْنُ هِشَامٍ: مَطِيَّةٌ لِطَالِبِ دَرْسِ اللُّغَةِ نِعْمَ الْمَطِيَّةُ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: «?للُّغَاتُ الشَّاذَّةُ لَا تُحْصَى?، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ عَلَى? مَا عَلَيْهِ الْفُصَحَاءُ الْمَوْثُوقُ بِلُغَتِهِمْ».

* * *

* ?لرَّابِعَةُ: فِي تَقْسِيمِ الْجُمْلَةِ -مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابُ- إِلَى?: مَا لَهَا مَحَلٌّ، وَمَا لَيْسَ لَهَا مَحَلٌّ.

وَهَ?ذَا ذِكْرُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْجُمَلُ الَّتِي لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الْإِعْرَابِ، مَعَ بَيَانِ مَحَلِّهَا.

وَهُنَّ سَبْعُ جُمَلٍ؛ فِي الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ، وَيَزِيدُ بَعْضُهُمْ جُمْلَتَيْنِ، الْأُولَى: الَّتِي مَوْضِعُهَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَالثَّانِيَةُ: الَّتِي مَوْضِعُهَا نَصْبٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَيَزِيدُ آخَرُونَ ثَالِثَةً: مَحَلُّهَا رَفْعٌ فَاعِلًا، وَيَزِيدُ غَيْرُهُمْ أُخَرَ.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015