بَدَأَ بِذِكْرِ ضَابِطٍ كُلِّيٍّ يَتِمُّ بِهِ مَعْرِفَةُ الْجُمْلَةِ الَّتِي لَهَا مَحَلٌّ، فَقَالَ: (وَإِن يَجُزْ) وَيَصِحَّ فِي الْكَلَامِ (مَا صُغْتَ) أَيُّهَا الْمُعْرِبُ (مِنْهَا) أَيْ: مِنَ الْجُمْلَةِ، وَعَوَّضْتَ مِنْهَا (مُفْرَدًا)، أَيْ: فَإِن صُغْتَ مِنَ الْجُمْلَةِ مُفْرَدًا حَلَلْتَهُ مَحَلَّهَا وَاسْتَقَامَ ذَ?لِكَ: (تُعْرَبْ) -بِفَتْحِ الرَّاءِ؛ بِنَاءً لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ- هَ?ذِهِ الْجُمْلَةُ (مَحَلًّا) أَيْ: يَكُن لَهَا مَحَلٌّ مِنَ الْإِعْرَابِ. وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى?: ?أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَي?هُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّ?مُ الْغُيُوبِ?، فَأَخْبَرَ بِـ «يَعْلَمُ» -وَهُوَ جُمْلَةٌ- ثُمَّ أَخْبَرَ بِـ «عَلَّامُ» -وَهُوَ مُفْرَدٌ-، فَلَمَّا وُضِعَتِ الْجُمْلَةُ مَوْضِعَ الْمُفْرَدِ الْمُعْرَبِ عُلِمَ يَقِينًا أَنَّ لَهَا مَحَلًّا.
وَمِن دَلِيلِ ذَ?لِكَ الْإِعْرَابِ أَنَّهُ قَدْ يُعْطَفُ عَلَى الْجُمْلَةِ -الَّتِي هَ?ذَا وَصْفُهَا- بِمُفْرَدٍ، فَيَظْهَرُ عَلَيْهِ الْإِعْرَابُ؛ كَمَا سَتَرَى? إِن شَاءَ اللَّهُ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ «مَا» فِي قَوْلِهِ: «مَا صُغْتَ» مَوْصُولٌ حَرْفِيٌّ، أَيْ: وَإِن يَجُزْ صِيَاغَتُكَ مِنْهَا مُفْرَدًا، فـ «مُفْرَدًا» -عَلَى? هَ?ذَا- مَفْعُولٌ بِه. وَيُمْكِنُ أَن يَكُونَ مَوْصُولًا اسْمِيًّا، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُه: «صُغْتَهُ»، وَ «مُفْرَدًا» حَالٌ مِنْهُ.
ثُمَّ بَدَأَ يُعَدِّدُ السَّبْعَ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي الْأُولَى?، قَالَ: فَتَقَعُ الْجُمْلَةُ الَّتِي لَهَا مَحَلٌّ فِي حَالِ كَوْنِهَا (خَبَرًا لِمُبْتَدَإٍ) فِي الْحَالِ، وَمَحَلُّهَا حِينَئِذٍ رَفْعٌ، وَمِثَالُهَا وَاضِحٌ، (أَوْ) خَبَرًا لِمُبْتَدَإٍ فِي الْأَصْلِ؛ فَتَكُونُ خَبَرًا لِـ (نَاسِخٍ) مِن نَوَاسِخِ الِابْتِدَاءِ، وَهِيَ بَابُ «كَانَ» وَ «كَادَ» وَمَا حُمِلَ عَلَى? «لَيْسَ» مِنَ الْأَحْرُفِ النَّافِيَةِ، وَمَحَلُّهَا حِينَئِذٍ نَصْبٌ، وَبَابُ «إِنَّ» وَ «لَا» الْمَحْمُولَةِ عَلَيْهَا -وَهِيَ الَّتِي لِنَفْيِ الْجِنسِ-، وَمَحَلُّهَا حِينَئِذٍ رَفْعٌ.
وَمِنْهَا: ?إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى? يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّت مِنَ الْحَيِّ?، فَرَفَعَ «مُخْرِجُ ...» لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى? مَحَلِّ «يُخْرِجُ ...» الَّتِي هِيَ خَبَرٌ ثَانٍ لِـ «إِنَّ».
(أَوْ) تَقَعُ (حَالًا)، وَهِيَ الثَّانِيَةُ، وَمَحَلُّهَا نَصْبٌ، وَدَلِيلُ ذَ?لِكَ الْعَطْفُ فِي نَحْوِ: ?لَا تَقْرَبُوا الصَّلَو?ةَ َأَنتُمْ سُكَ?رَى? حَتَّى? تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا?.
(?وْ) بِالنَّقْلِ؛ تَقَعُ (مَفْعُولًا) بِهِ، وَهِيَ الثَّالِثَةُ، وَمَحَلُّهَا حِينَئِذٍ النَّصْبُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَفْعُولُ (مُعَلَّقَ الْعَامِلِ)، أَيْ: عَامِلُهُ مُعَلَّقٌ عَنِ الْعَمَلِ فِي لَفْظِ الْمَعْمُولِ؛ لِاعْتِرَاضِ مَا لَهُ حَقُّ الصَّدَارَةِ، وَذَ?لِكَ جَائِزٌ فِي كُلِّ فِعْلٍ قَلْبِيٍّ؛ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ.
وَمِن شَوَاهِدِ نَصْبِ مَحَلِّهَا الْعَطْفُ عَلَيْهَا بِمَنصُوبٍ؛ كَمَا قَالَ كُثَيِّرٌ:
وَمَا كُنتُ أَدْرِي قَبْلَ عَزَّةَ مَا الْبُكَا ** وَلَا مُوجِعَاتِ الْقَلْبِ حَتَّى? تَوَلَّتِ
(أَمْ) كَانَ الْمَفْعُولُ (مَقُولًا)، أَيْ: مَحْكِيًّا بِالْقَوْلِ؛ بِشَرْطِ أَن يَسْتَوْفِيَ عَامِلُهُ الْفَاعِلَ، وَإِلَّا كَانَ مَحَلُّهَا رَفْعًا، نَائِبَ فَاعِلٍ، وَلَمْ يُقَيَّدْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تُسَمَّى? «مَفْعُولًا» إِلَّا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ قَبْلَ تَغْيِيرِ الصِّيغَةِ.
وَهَ?ذِهِ الْجُمْلَةُ لَا تُؤَوَّلُ بِمُفْرَدٍ، فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ الْقَاعِدَةِ.
¥