ملتقي اهل اللغه (صفحة 2595)

وبعد هذا، فإن النهج البنيوي هو محاولة لبناء نماذج يمكن أن تساعد في فهم أو - كما يرى البنيويون - وضع تفسير لـ"المواد" التي هي في متناول اليد.

وأصعب ما في البنيوية هو أن لا تقوم هذه "الهياكل" على الظواهر المادية الملموسة، أو كما هي الحال في العلوم البيولوجية أو غيرها، ولكن على أساس الحقائق الثقافية (الحضارية)، مثل الأنساب أو الحكايات الموروثة.

هذه الحقائق الثقافية هي أمور عقلانية (بدهية) كما هي "الهياكل". وهذه الهياكل والنماذج البنيوية لا توجد إلا في عقول البشر، وليس في الطبيعة (الواقع)، كما تدعي الماركسية على سبيل المثال.

هناك العديد من البنيويين بمن فيهم فرديناند دي سوسير، رولان بارت، ميشال فوكولت، جاك لاكان وليفي شتراوس.

فمن الممكن حتى الادعاء بأن هناك بعض العلوم الاجتماعية المهمة و/أو المنظرون النفسيون وبعض علماء الطبيعة "بنيويون" في طبعهم (او صفاتهم)، لأنّ ما يفعلونه هو بناء نماذج للواقع النفسي أو الاجتماعي.

ويبدو أنّ هذا ينطبق حقيقة وبصفة خاصة على سيغموند فرويد وكارل ماركس.

وبناء على ما سبق؛ فإنَّ التمييز بين ما يمكن أن يسمى السطح (الوعي، البنية الفوقية) وما بين هيكل وعميق (اللاوعي، البنية التحتية) هيكلاً (بنية). ومن الجدير بالذكر أيضاً أنّ البنيوية تزعم أنه لفهم البنية السطحية يجب فهم البنية العميقة، وكيف أنها تؤثر على بنية السطح. ومن الدقة القول إنّه من بين كل البنيويين أكثرهم شهرة وتأثيراً هو كلود ليفي شتراوس.

ومع ذلك فإن البنيوية ليست مدرسة واحدة وليس لها منهجية واحدة؛ وليفي شتروس لم يكن حكراً على الدراسات البنيوية في الأنثروبولوجيا (علم الإنسان أو غيرها من التخصصات). وعلاوة على ذلك، فإن العمل الذي قام به البنيويين كان واسع النطاق ومتنوعاً وصعباً. لكن وبسبب نفوذ ليفي شتراوس كان هو مثالاً ممتازاً على النهج البنيوي.

لكن (الانثروبولوجيين) (علماء اللسانيات) كانوا أقدم بكثير في استخدام مفهوم "البنية" من ليفي (ر. رادكليف براون، جورج موردوك بيتر، وغيرهم كثير استخدموا المصطلح بطرق مختلفة). ومع ذلك، فمن المهم أن نلاحظ أنّ تأثيراً متعدد الأوجه ظهر في عمل أعمال ليفي والتي أظهرت أنه ليس متأثراً فقط من جانب يعلماء الأنثروبولوجيا ولكن أيضاً من قبل الجيولوجيين، واللغويين وغيرهم.

ليفي شتراوس جلب إلى الأنثروبولوجيا هذا العلم وغيره من المؤثرات التي شكلت تفكيره، والفكر الأنثروبولوجي ظهر من خلال عمله. ويمكن تلخيص الجوانب الرئيسية في عمل ليفي تحت ثلاثة عناوين:

1 - نظرية التحالف.

2 - العمليات العقلية البشرية.

3 - التحليل البنيوي للأسطورة.

وفيما يلي توضيح لهذه المفاهيم عند شتراوس:

1 - نظرية التحالف: نظراته حول الأنثروبولوجيا الاجتماعية كثيرة وكبيرة. وأشهرها (نظرية التحالف). فهو مثلاً يشدد على أهمية الزواج في المجتمع بدلا من التشدد على أهمية النسب. والافتراض الأساسي المزعوم عنده هو أن تبادل المرأة بين مجموعات من الرجال ذات نتائج تزيد من التضامن الاجتماعي، وأنه نتيجة لهذا التلاحم تنتج أفضل الفرص للبقاء على قيد الحياة لجميع الأقارب الناتجين. ليفي شترواس يدعي أن تنظم الزيجات عن طريق وصفات محددة، وتفضيل وتحريم أنواع أخرى من الزيجات يخلق "تبادل" للنساء في المجتمعات البسيطة. هذا التبادل، يرافقه تبادل الهدايا، ويضمن تعاون أعضاء هذه الجماعات.

تحليل المحرمات شيء رائع عنده. وبالنسبة إليه فإنَّ العلاقة بين طبيعة وثقافة الجنس البشري تأتي من خلال هذا الحظر العالمي. زنا المحارم الذي هو من أسس المحرمات يتجاوز نفسه، ويخلق لها ثقافة باعتبارها عنصر السيطرة على السلوك البشري. الجنس وغيره من المحركات؛ أمور تنظم من خلال الثقافة.

(2) العمليات العقلية البشرية: هناك وحدة في طريقة عمل العقل البشري. ليفي شتراوس يدعي أنه على الرغم من أن المظاهر قد تكون مختلفة جداً، والعمليات العقلية البشرية هي نفسها في جميع الثقافات. ووحدة العمليات العقلية هي من نتائج بيولوجيا الدماغ البشري وطريقة عملها. ونتيجة لهذه الوحدة، على سبيل المثال تصنيف الكون بـ"الإنسان البدائي" لديه نفس الأساس عندما يكون القيام به من قبل أي مجموعة، ويتم ذلك من خلال النماذج.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015