ملتقي اهل اللغه (صفحة 2569)

من نظريات المذهب اللاواقعي أيضاً نظرية الفيلسوف فتجنشتين التي تقول ان المعنى هو الاستعمال. بالنسبة الى فتجنشتين، استعمالنا لمفهوم معين يحدد معناه، وبذلك مع اختلاف استعمال المفاهيم والعبارات تختلف معانيها. من منطلق المذهب اللاواقعي ايضاً يبني الفيلسوف غريس نظريته في المعنى التي تقول التالي: معنى اي عبارة يتحدد من خلال قصد القائل في ارسال فكرة او اعتقاد ما الى بعض المتلقين كما يتحدد بفضل قصده ان يتم فهم عبارته كما قصد منها. هكذا يحلل غريس المعنى من خلال قصد القائل وبذلك لا يعتمد تحليله على العالم الواقعي خارج الانسان بل على قدرات الانسان وما في داخله. فكما يعرّف فتجنشتين المعنى من خلال استعمالنا للغة يعرّف غريس المعنى من خلال ما نقصد حين نستخدم اللغة (صلى الله عليه وسلمditor: رضي الله عنهraghramian: Modern Philosophy of Language. 1998. J. M. عز وجلent). لكن مشكلة أساسية تواجه هذا الاتجاه اللاواقعي في المعنى ألا وهي التالية: ثمة عبارات لم نكتشفها بعد ورغم ذلك لها معان. وبما انها عبارات لم نكتشفها بعد، إذن لا نستعملها وبذلك أيضاً لا نقصد بها شيئاً، وبذلك تغدو بلا معنى بالنسبة الى فتجنشتين وغريس رغم ان الحقيقة ان لها معنى ما يرينا فشل كل من النظريتين السابقتين. فمثلاً عبارة "قطة شرودنغر حية وميتة في آن" عبارة لم نكتشفها قبل نشوء نظرية ميكانيكا الكم، وبذلك لا استعمال لها ولا قصد لقولها قبل ان يتم اكتشافها وصياغتها في لغتنا. وبذلك اذا كان المعنى هو الاستعمال او القصد، لكانت تلك العبارة قبل نشوء ميكانيكا الكم لا معنى لها. لكن الحق ان لها معنى وان لم نكن قد اكتشفناها بعد وان لم نكتشفها أبداً كونها عبارة علمية صادقة في وصف عالمنا وتفسيره. من هنا تفشل كل من نظرية فتجنشتين وغريس في التعبير عن ان ثمة عبارات لها معان وان ليس لها استعمالات ومقاصد بعد.

اما الفيلسوف سول كربكي فيقدم مذهباً واقعياًَ في تحليل مفهوم الدلالة. بالنسبة الى كربكي، أي مفهوم كمفهوم "سقراط" يدل على الشخص سقراط فقط في حال ان ثمة سلسلة سببية تواصلية تتنقل من سقراط الى مفهوم "سقراط" وتربطه باسمه الذي نستخدمه اليوم. هكذا يحلل كربكي الدلالة من خلال العلاقة السببية؛ فالعلاقة السببية بالنسبة إليه تحدد دلالات المصطلحات. فالسبب الذي يجعل اسم "سقراط" يدل على سقراط هو ان "سقراط" مرتبط سببياً بسقراط بحيث سقراط هو السبب الأول في السلسلة السببية المؤدية الى استخدام اسم "سقراط". يعتبر كربكي ان الدلالة لا تعتمد فقط على ما نظن بل تعتمد ايضا على الآخرين في المجتمع وعلى تاريخ انتقال الاسم الينا، ومن خلال تنبع هذا التاريخ نصل الى الدلالة. من المنطلق نفسه، يحلل الفيلسوف جيري فودر معاني المفاهيم من خلال العلاقة السببية، بالنسبة الى فودر، النظرية الصادقة هي النظرية السببية في المعنى التي بالنسبة الى نموذجها المبسط، مفهوم "القطة" يعني القطة لأن القطة سببت مفهوم "القطة" (صلى الله عليه وسلمditor: Martinich: the philosophy of language 1990. Oxfors University press) أما المشكلة الأساسية التي تواجه النظرية السببية فهي التالية: ثمة اشياء مجردة كالأعداد ولكونها مجردة لا ترتبط سببياً بنا او بأي شيء، وبذلك يستحيل ان تسبب مفاهيمها ما يتضمن ان مفاهيمها خالية من معنى بالنسبة الى النظرية السببية، وهذا نقيض الواقع. من هنا تفشل النظرية السببية في المعنى والدلالة في التعبير عن حقيقة ان المفاهيم الدالة على اشياء مجردة تملك معاني ودلالات. فمثلاً العدد خمسة مجرد كالأعداد كافة، وبذلك لا قدرة سببية له. لكن بالنسبة الى النظرية السببية في المعنى، مفهوم "الخمسة" يعني الخمسة لأن الخمسة تسبب مفهوم "الخمسة". وهذا خطأ لأن الخمسة لا قدرة سببية لها كونها مجردة. هكذا تفشل النظرية السببية في المعنى في التعبير عن ان مفهوم "الخمسة: يملك معنى.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015