وفي التقرير الذي كتبه الدكتور المطعني عن الرواية، يقول: إن موضوع هذه الرواية " أولاد حارتنا " يتكون من قسمين اثنين: الأول، ويبدأ من " افتتاحية أو مقدمة الرواية، ويستمر حتى الفصل الرابع، أو هو تفصيلا: المقدمة، وأدهم (أي آدم عليه السلام)، وجبل (أي موسى عليه السلام)، ورفاعة (أي عيسى عليه السلام)، وقاسم (أي محمد صلى الله عليه وسلم). أما القسم الثاني فهو مكون من فصل واحد، هو عرفة، وقد جعله المؤلف رمزا للعلم الحديث.
وسجل الدكتور المطعني عدة ملاحظات على القسم الأول، منها ما يلي:
أولا: تحريف الوقائع:
وسبب هذا التحريف أمران: الأول: حرص المؤلف على الاستفادة من وقائع التاريخ النبوي الديني في " رسم شخصيات الرواية "، وهذا أمر ظاهر جدا في القسم الأول من الرواية. والثاني: حرص المؤلف الشديد على إخفاء جوانياته، وعدم ظهورها للقراء، لأن الرواية أخضعت التاريخ الديني النبوي – وهو مقدس – للنقد والنقض معا، وهذا أمر – لو ظهر – لقابله الناس بالاستنكار والاستياء، بل وبالغضب والسخط.
ثانيا: الإساءة إلى الذات العلية:
لم توجه رواية أولاد حارتنا كما هائلا من الإساءة مثلما وجهت إلى الجبلاوي رمز الألوهية (الله)، وجاءت هذه الإساءة على لساني كل من إدريس الذي هو إبليس في الرواية، ثم قدري الذي قابيل أحد ابني آدم، وقاتل هابيل أخيه، وهو همام في الرواية.
ثالثا: الإساءة إلى رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم:
جاء حديث الرواية عن محمد صلى الله عليه وسلم مليئا بالإساءة والتجريح إلى حد الافتراء في بعض الأحيان. ولم تراعٍ الرواية حرمة خاتم النبيين الذي وصفه رب العالمين بأنه سراج منير، وعلى خلق عظيم، ورحمة للناس كافة.
رابعا: الحط من قدر العرب والمسلمين:
عندما تحدثت الرواية عن العرب قبل الإسلام، ثم عن المسلمين بعد الإسلام، رمتهم بكل نقيصة، فهم أتعس أولاد الحارة – أي الدنيا – وهم الجرابيع الحفاة العراة الذين لا أصل لهم ولا صفة – أي كريمة – وحياتهم لا تعلو كثيرا عن حياة الكلاب والقطط والذباب؟! يلتمسون رزقهم في النفايات وأكوام القمامة؟!
وكان الدكتور المطعني قد تساءل من قبل عن معنى الجربوع، فقال: ليس لهذه الكلمة أصل في اللغة إلا أن تكون محرفة من اليربوع، وهو حيوان بري غير أليف يتخذ له بيتا (حفرة) في الأرض لها بابان، فإذا أحس بوجود الصياد دخل بيته من باب وخرج من الباب الآخر، لينخدع الصياد بأنه ما يزال موجودا في بيته، بينما هو قد خرج ناجيا بنفسه، ومنه اشتق وصف المخادع من الناس " المنافق "، لأن بيت اليربوع محفور على شكل نفق تحت الأرض، ويسمى بيته: " نافقاء اليربوع ".
أما الدلالة العرفية أو العامية لكلمة " الجربوع "، فتعني معانٍ كثيرة في عرف العامة، أو العوام، وكلها تدور حول الذم والقدح وانحطاط الشأن، فهي " قاموس " السب والشتم.
فيا ترى ماذا أراد الأستاذ نجيب محفوظ من وصف العرب قبل الإسلام، والمسلمين بعد الإسلام بأنهم الجرابيع؟ هل أراد أن ينسبهم إلى اليربوع الماكر الخدّاع؟ أم أراد أن يصفهم بالمعاني السوقية المبتذلة التي تراد في عرف العوام من كلمة جربوع أو جرابيع؟
خامسا: مناصرة غير الإسلام على الإسلام:
ومن الملاحظات البارزة على الرواية، أنها – دائما – تناصر غير الإسلام على الإسلام نفسه، حتى في العقائد الثوابت في الإسلام.
سادسا: تجريد التاريخ النبوي من محتواه:
حرص المؤلف – كل الحرص – على تجريد التاريخ الديني النبوي من محتواه، وتفريغه تماما من " الإيمانيات والروحانيات "، وتصويره في صورة صراع مادي صرف يبدأ وينتهي حول حطام الدنيا وملذاتها الفانية؟! ومؤدى هذا أن الرواية تجاري العلمانية في تفسيرها المادي للتاريخ.
سابعا: التعاطف مع الشيطان:
جارت الرواية " أولاد حارتنا " بعض الكتّاب الأوربيين والعرب في التعاطف مع الشيطان الذي طرده الله من الجنة بسبب عصيانه وكفره، ونظروا إلى هذه الواقعة على أنها من وقائع " حرية الرأي "، وأن الشيطان عوقب – ظلما – على رأي أبداه، وعقيدة اعتقدها، حملته على عدم السجود لآدم؟
ثامنا: ربط منابع النور بمواضع الخطيئة:
¥