ملتقي اهل اللغه (صفحة 2537)

التشظي والتماس في رواية أولاد حارتنا

ـ[أبو عثمان أحمد]ــــــــ[09 - 09 - 2011, 03:42 م]ـ

التشظي والتماس في رواية أولاد حارتنا

أولاد حارتنا رائعة من روائع المبدع الأديب نجيب محفوظ، ولقد سار حولها جدل واسع وكبير وصل إلى حد تكفيره لما رآه العوام في روايته من محاولة المساس بالأمور العقائدية ومعالجتها بشكل لا يتفق مع رؤيتهم التقديسية لها.

ولكن الأمر غير ما زعموا؛ فالنظر إلى الرواية من الناحية الأدبية كفيل بحل الإشكال الأنطلوجي الذي أدى لتكفير نجيب محفوظ، ونحن في مقالنا هذا سنرد المعالجة الروائية لمكانها الطبعي - الساحة الأدبية - ونحاول من خلاله الخروج بالطابع الأنطلوجي الذي أراد أن يخرجه لنا نجيب محفوظ.

والبداية في رواية أولاد حارتنا قامت على إنشاد الرواي ما كان يسمعه على (الربابة) التي تحمل العبق التاريخي لحارته، فهي السجل والتاريخ الموروث الذي يحمل هوية أهل الحارة ذلك التاريخ الذي يعطي للإنسان شهادة بأنه الكائن الأرقى على سطح الأرض.

ولعل هذه البداية (الرواية على الربابة) تجذبنا للأمور الآتية:

إن النص المروي لابد وأن يحتمل أبعادا أسطورية تبعد عن الواقع بمسافات بعيدة؛ وذلك لأن الربابة هي دالة اللاوعي للمجتمع الشعبي العربي، وانظر معي دور الربابة في تجسيد عنترة والزناتي خليفة وأبي زيد الهلالي، فهم أشخاص لاريب أسطورية أضاف الجانب الشعبي لهم أبعادا لم ينزل الله بها من سلطان، هذا ومسرح الرواية يعد الآن هو ذلك المسرح الشعبي الأسطوري وهو الربابة التي أعلنت منذ أن عمد نجيب محفوظ إلى استخدامها كمسرح رئيسي في عرض روايته أقول أعلنت عن تشظي أي بعد حقيقي قد يتماس مع الواقع بشكل أو بآخر، هذا التشظي الذي يجعلنا نؤكد إن موقف نجيب محفوظ الأنطلوجي في روايته موقف معمى بسبب الأبعاد الأسطورية التي تقوم بها الربابة والتي أدت لتشظي التناص مع قصة الخلق.

هذا وقد أبدع نجيب محفوظ في اختياره لشخصيات الرواية، وإنما كان سبب إبداعه هو قدرته على اختيار اسم الشخصية، ذلك الاسم الذي يحمل تاريخ الشخصية وتركيبتها النفسية وتوقع انفعالاتها، فنجيب محفوظ على المستوى السيموطيقي أبدع وأجاد، وربما كان هذا من الأسباب الرئيسة التي تجذب الرواية لموقف أنطلوجي معين من قصة الخلق، فشخصيات الرواية تتماس بشكل كبير مع التابوهات العقائدية للبشر، ولكن يتشظى هذا التماس على أعتاب الحكاية الربابية التي تجنح للأسطورة إلى حد يغيب فيه الواقع تماما.

وتظل أحداث الرواية منذ بدايتها على تلك الحالة التامسية لقصة الخلق وفي الوقت نفسه تظل الرواية قائمة على الإنشاد الربابي (المسرح الرئيسي للأحداث) في جدلية مثلت ذروة الصراع لدى القارئ، فهو بين خطوط تماس كثيرة مع قصة الخلق وفي الوقت نفسه يرد إلى مسرح الرواية الرئيسي فيتشظى التماس، ولعل الصراع كمكون رئيسي للرواية كان يعتمد على هذا التماس لقصة الخلق، وقد تضمن هذا الصراع الرئيس مجموعة من الأحداث والعقد تماست مع التتابع الحقيقي للرسالات، ولكن ذروة الصراع وأكثر العقد حرارة في الرواية عندما توفي (جبلاوي) على يد الساحر (عرفة)؛ إذ تجذب هذه العقدة الفنية عقل القارئ لمقولة نيتشه: " الآن قد مات الإلاه "، ولكننا عندما نرد إلى النص الروائي ولا سيما للساحة الرئيسية التي قامت عليها أحداث الرواية يتشظى هذا التماس وننظر للحدث والشخصية في الإطار الفني الشعبي الفلكلوري فحسب.

ومن إبداعات نجيب محفوظ في هذه الرواية هو ذلك الالتحام القوي بين بدايتها ونهايتها، ففنية الختم ودائريته كانت ذات دور رئيس في إثبات التشظي لكل تماس موجود مع قصة الخلق، إذ انتهت الرواية عند ذلك الراوي المنشد لتاريخ حارته على آلة التشظي الفني واللاوعي الجمعي (الرباباة).

أما عن لغة الرواية فقد كانت كذلك من إبداعات نجيب محفوظ؛ فالآداء العامي هو الآداء الأنسب والوحيد لمحاكاة الإلقاء الفلكلوري للربابة، ولعل هذا الآداء العامي هو رسول الربابة لذهن المتلقي الفطن أن كل ما يدور من أحداث في الرواية لا يمكنه سوى الكشف عن موقف أنطلوجي معمى لا يمكن أن ينظر إليه سوى في مهاده الأدبي وحسب.

ـ[حنان]ــــــــ[10 - 09 - 2011, 12:05 ص]ـ

البسملة1

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاكَ الله خيراً على هذا الجهد المفيد، ولكن لدي سؤال ــ بما أنك متخصص بالعلوم اللغوية ــ:

ما رأيكَ باللهجة العامية واستعمالها في الادب العربي، كالشعر الشعبي لكل بلد وغير ذلك كما الرواية لنجيب محفوظ؟

ألا ترى أن المباحث اللغوية فيها كثيرة وأنها جديرة بالدراسة والبحث العلمي؟

ـ[محمد بن إبراهيم]ــــــــ[11 - 09 - 2011, 07:05 ص]ـ

هل يرى الأستاذ-وفقه الله-أنَّ التناصَّ مع قصة الخلق-على حدِّ تعبيره- بهذه الصورة المزريةِ = ضَرْبٌ من الإبداع والسموِّ الفنيِّ!

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015