ملتقي اهل اللغه (صفحة 2528)

لهذا نقول: إن المعاني في اللغة العربية كثير منها كلية، وكلما ذهبت إلى المعنى الكلي كلما كنت أحذق وأفهم للغة، وهذا ما جرى عليه العالم المحقق ابن فارس في مقاييس اللغة كتاب سماه معجم مقاييس اللغة، جَعَلَ كلمات لها معاني كلية ثم تندرج التفريعات تحت المعنى الكلي، وليس وضعا أول ثم وضعا ثانيا، وهذا حقيقة وهذا مجاز، ليس كذلك.

إذا تبين ذلك فنقول: لفظ التأويل ولفظ المجاز يستعملان كثيرا، الظاهر يقابله التأويل، والحقيقة يقابلها المجاز، فيقال هذا حقيقة وهذا مجاز، ويقال هذا ظاهر وهذا تأويل، ولا يقال في التأويل مجاز وللمجاز تأويل، لا، التأويل يختلف عن المجاز كما ذكرته لكم مرارا.

المجاز كتطبيق لأجل أن تفهم كيف يطبقون المجاز على قاعدتهم وكيف أن هذا الكلام الذي طبقوه غير جيد غير صحيح.

يقولون مثلا: الرحمة مجاز عن الإنعام، طيب مجاز عن الإنعام يعني أن لفظ الرحمة وضعته العرب للمخلوق للإنسان، فلما أستعمل في صفات الرب جل وعلا نقوله من الوضع الأول إلى وضع ثانٍ وهو الإنعام؛ لأن العرب استعملت الرحمة بمعنى الإنعام، فإذن الرحمة تشمل رحمة الأم بولدها، ورحمة الوالد بولده، ورحمة الإنسان بمن يتعرض لشيء أمامه من المكروهات، وتشمل الإنعام؛ رحمه يعني أنعم عليه، قالوا الإنعام هذا وضع ثاني والرحمة التي يجدها الإنسان في نفسه هذا الوضع الأول، ففي صفات الرب جل وعلا لا نقول إنه متصف بالرحمة لم؟ قالوا لأن الرحمة لا تحصل إلا بضعف، إلا بانكسار، وهذا منزه عنه الرب جل جلاله.

فإذن نقلوا من الوضع الأول إلى وضع ثاني لعلاقة، العلاقة بينهما هي مناسبة هذا لله جل وعلا؛ يعني الإنعام مناسب، مناسب في هذا وفي هذا، لعلاقات عندهم في المجاز نحو ثلاثين علاقة، ألفت فيها كتب يعني من باب الذكر وليست مهمة.

طيب، عندكم الرحمة بمعنى الإنعام، والرحمة حينما فسرتموها قلتم الوضع الأول في الإنسان لماذا الرحمة هذا اللفظ وُجد مع الإنسان؟ أحس بهذا الشيء الذي في نفسه وهذا الشيء سمي رحمة، فهل هذه الرحمة حينما وُضع لها هذا المعنى هي في لغة العرب أو هي في اللغات جميعا؟ الجواب أنها في لغات العرب؛ يعني من حيث لفظ (رحمة)، وأما المعنى المشترك لهذه الصفة فهذا عام في جميع اللغات؛ يعني موجود في كل لغة ما يدل عليه.

اللغة هل تضع الأشياء محدودة أو كلية؟ اللغة المفروض فيها أنها تجعل الألفاظ للمعاني الكلية، لا لمعاني محدودة.

فنأتي للرحمة فنقول الإنسان عنده هذه الرحمة، وَجد هذه الصفة في نفسه فسماها رحمة، لكن لا يوجد تعريف في أي كتاب من كتب اللغة للرحمة بتعريف جامع مانع محدود، كذلك الرأفة، كذلك الوُد، كذلك المحبة، ونحو ذلك، فالمعاني النفسية هذه الموجودة في داخل نفس الإنسان هذه لا يوجد تعريف محدّد لها حتى في كتب اللغة.

إذن فهي ليست موضوعة لما يحسّه الإنسان، وهي إذن موضوعة لمعانٍ كلّية تشمل هذه الصفة، ولهذا نجد أنّ كل الصفات، الصفات المعنوية لا يمكن تعريفها، لو أتاك أحد وقال عرف لي هذه الرحمة التي في قلبك، لا يحسن حتى هؤلاء الذين يحكمون بالمجاز والتأويل لا يحسنون أن يعرفوا الرحمة بشيء جامع مانع؛ يعني الرحمة التي في الإنسان التي لا يمكن أن ننقلها إلى غيره، هات الرحمة بتعريف جامع فيفسر الرحمة بأثر الرحمة، فيفسر الرأفة بأثر الرأفة، فيفسر المحبة بأثر المحبة؛ لكن كل إنسان في أي لغة إذا طرق سمعه الرحمة هو يعرف مدلول الرحمة بما يجده في نفسه.

إذن فالمعاني النفسية هذه التي هي ليست ذوات هذه كليات، والكليات ليست مفردات، الكليات للجميع، فإذن جعْل الكلية اللغوية مفردا في حال الإنسان، وجعْل هذه المفردة وضعا أول هذا لاشك أنه ليس له دليل في اللغة وليس له أيضا برهان وهو تحكُّم.

فإذن لكل شيء يناسبه فإذا قلت للعربي رحمة الطير، الطير حينما رحم، هل كانت الرحمة في الإنسان واستعار للطير الرحمة؛ يعني جعلها في الطير مجازا؟ الجواب: لا، يقول لا، الطير فيه رحمة، طيب هذا المعنى الكلي بين الطير والإنسان هل كان في الوضع الأول خاصا بالإنسان ثم عُدي أو كان للجميع؟

فإن قال للإنسان وحده فإنه لن يقوله؛ لأنه لا يُسلم له.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015