ملتقي اهل اللغه (صفحة 2467)

أمّا استفادة دارسي الأدب العربي من المنهج التداولي فهي محدودة لا محالة نظرا إلى انصراف الدارسين عن الاهتمام بتداوليّة الأجناس الأدبيّة،ولكن المسالك البحثيّة التي تفتحها هذه المراجع تبدو في تقديرنا ذات قيمة علميّة عالية، وقد أعاد الباحثون في لغة الرواية من الناحية التداولية النظر في صلة المجاز والتخييل بالأجناس الأدبيّة ومدى نصيبها منه في هذا الجنس الأدبي، وشكّكوا في قيمة المقولة القديمة التي تزعم أنّ الأساليب المجازيّة هي المقوّم المميّز للشعر من النثر، ومن الدراسات الممكن قبولها نماذج تمثّل استفادة الدرس الأدبي من منهج التداولية نذكر دراسة الباحث عبد الله صولة بعنوان: كتاب الأياّم لطه حسين خطابا حجاجيا فقد أقامه صاحبه على قراءة القصّة بما هي أطروحة حجاجيّة أراد بها طه حسين إقناع أبناء جيله بقدرته على تحدّي الصعاب،وإلى حملهم على الانخراط معه في الاعتقاد في أنّ قيمة التعليم هي القيمة العليا التي مكّنته من الارتقاء اجتماعيا [3] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn3) .

واللافت للنظر في هذه الدراسة وفيما يشبهها من البحوث التي تناولت الأدب من وجهة نظر المنهج الحجاجي أنّ الخطاب الأدبي المدروس بأنماطه الثلاثة: السرد والوصف والحوار يتحوّل إلى متتاليات حجاجيّة منتظمة في أقيسة حجاجيّة أي في مقدّمات ونتائج بعضها مذكور وبعضها مضمر. ويعامل النصّ الأدبي في هذا المنهج بما هو جملة من العلاقات القائمة بين الأقوال أو بالأحرى بين الأعمال القوليّة أو المقدّمات والنتائج الحجاجيّة التي تقتضي دراستها النظر في مظاهر انسجام النصّ وتماسكه من جهة ستعمال الروابط المنطقيّة

والعوامل الحجاجية. ويعمل التحليل الحجاجي إلى إبراز الأطروحة التي ينهض عليها الخطاب وعلى دراسة الروابط والعوامل الحجاجية وطرائق بناء الأقوال واستخدام التوجيه الحجاجي وما بتطلّبه من أدوات حصر وتوكيد وقصر وشرط وتبرير وغيرها ممّا لا يمكن اسستقصاؤه بغير هذا المنهج.

إنّ المنهج التداولي يعيد النظر أوّلا في وظائف اللغة، وينظر إليها نظرة تجاوز التقسيم البنيوي الذي وضع أسسه ريمون جاكبسون وهو ينهض على ستّ وظائف:

- الوظيفة الإخباريّة (الإخبار)

-الوظيفة المرجعيّة (اللغة تنقل المرجع وتتحدّث عن الأشياء في غيابها فتعوّضها).

- الوظيفة الماورلغويّة أو الانعكاسيّة (اللغة تتحدّث عن ذاتها فهي أداة وموضوع" علوم اللغة")

- الوظيفة التعبيرية (اللغة تعبّر عن الأحاسيس والانفعالات والعواطف).

-الوظيفة التنبيهيّة (اللغة تنبّه إلى اتّصال التواصل والتفاعل بين المتخاطبين " النداء – عبارات التنبيه مثل تسمعني .. أفهمتني .. ؟ ").

-الوظيفة الأدبيّة أو الشعريّة.

فقد أعاد الفكر التداولي النظر في هذه الوظائف، وكان لجهود إيميل بنفينيست دور حاسم في تجديد البحث في وظائف اللغة فكان البعد الإنشائي والإنجازي للّغة موضوع التعديل والتنسيب في تعريف الوظيفة الأولى: إنّ اللغة في هذا المستوى لا تخبر فحسب بل إنّها تنجز أعمالا لغويّة للتعبير عن بعض الأعمال باستعمال المسكوت عنه والضمني وغيرهما من أشكال التواصل، فاللغة في تعريف أوزولد ديكرو (Oswald عز وجلucrot) لا تستعمل الأقوال بشكل يدلّ على المعنى مباشرة وإنّما تنزع اللغة إلى إخفاء الدلالات وتمريرها باستعمال المقتضيات والمتضمّنات [4] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn4). وإنّ هذا التعريف الجديد للوظائف التواصليّة للغة هو المدخل الرئيس إلى قراءة الخطاب الأدبي قراءة تداوليّة. وإذا كان تعريف اللغة بكونها إنجازا مدخلا مهمّا إلى قراءة الأدب تداوليّا فإنّ الانتقال من الاهتمام بالجملة إلى الاهتمام بالقول لا يقلّ تأثيرا في مناهج الدراسة الأدبية، وفي هذا السياق كان كذلك لبنفينيت دور هامّ إذ نراه ينتقل باللغة من نظام علامات وجمل مجرّدة من سياقها التلفّظي إلى أقوال منجزة حاملة آثار التخاطب والتلفّظ أو آثار المتكلّم ومقامات القول، فاللغة في تعريف علماء لسانيات التلفّظ أداة تواصل تتجسّم في الخطاب من خلال نظام من الأعمال القولية التي تتطوّر بدورها وتتفرّع إلى أجناس قوليّة عامّة وأجناس أدبيّة

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015