يعيبون على الفكر الأدبي الكلاسيكي إهماله الصلة الحميمة بين الأشكال التعبيرية والسياق التاريخي الذي تنشأ فيه. ويساعد هذا المنهج على تحليل الخطاب الأدبي ذي الدلالات الاجتماعيّة التداوليّة مثل الخطابة والقصيد المعبّر عن الوجدان الجماعي عند الإحيائيين (معروف الرصافي) ويساعد هذا المنهج كذلك على دراسة الدلالات الاجتماعية في السرديات القديمة مثل المقامة والبطل الإشكالي المكدّي وأنظمة الحياة الاقتصادية في البيئة العربية القديمة من خلال قصص الأيّام والأمثال وقصص العشّاق النثرية، ويعين كذلك على دراسة القضايا الاجتماعية التي يسهم الأدب في صياغتها وتوجيهها كالشعوبيّة: في الشعر والسخرية في الأدب - والقيم في اقصيد القديم - والشرق والغرب في الرواية – وصورة المغترب في القصّة - والموضوعات الوطنيّة في الشعر الإحيائي ...). القضايا الاجتماعية في السرديات الحديثة وعلى دراسة الوعي الاجتماعي والرؤية الحضارية في الأجناس الأدبية ذات الصبغة الواقعية كالرواية والمسرح الاجتماعي.
- مدخل إلى مناهج النقد الأدبي تعريب رضوان ضاضا عالم المعرفة 221
(مقال النقد الاجتماعي 133 - 166).
- حميد لحمداني: الرواية المغربية ورؤية الواقع الاجتماعي، دار الثقافة الدار البيضاء 1985.
7 - المنهج التداولي: ليتأمّل القارىء قول ابن جنّي في الخصائص: " اعلم أنّ أكثر اللغة مع تأمّله مجاز لا حقيقة، وكذلك عامّة الأفعال نحو قام زيد وقعد عمر وانطلق بشر وجاء الصيف فقولك قام زيد معناه كان منه القيام وكيف يكون ذلك وهو جنس والجنس يطبق جميع الماضي وجميع الحاضر وجميع الآتي، الكائن من كلّ من وجد منه القيام، ومعلوم أنّه لا يجتمع لإنسان واحد في وقت ولا في مئة ألف سنة مضاعفة القيام كلّه الداخل تحت الوهم، هذا مجال عند كلّ ذي لبّ، فإذا كان ذلك علمت أنّ قام زيد مجاز لا حقيقة وإنّما هو وضع الكلّ موضع البعض للاتّساع والمبالغة وتشبيه القليل بالكثير " (الخصائص)
يجدر بالدارس قبل أن ينظر في مجال انفتاح الدرس الأدبي على المراجع التداولية أن يحدّد دلالة هذا المفهوم الرائج استعماله بين المتخصّصين في هذه الأيّام.إنّ الخطاب العلمي العربي يستعمل عبارة التداوليّة منذ عقدين تقريبا،ولكنّ نظائرها في اللغات العالميّة تستخدم في الدرس الأدبي وفي تحليل الخطاب وفي الدرس النحوي
وفي علوم الدلالة منذ أكثر من ثمانية عقود (الفرنسية ِ approche pragmatique والأنقليزية pragmatic approach .
والعبارة مصدر صناعي من تداول الكلام تبادله،ومن هذا المعنى اللغوي الأوّل جاءت دلالة الاشتقاق الاصطلاحي،فاللغة في التصوّر البنيوي عند سوسير وتلاميذه جهاز أو مؤسّسة مثاليّة لم تدرس في مقامات التلفظ بها،ولم يهتم ّ اللسانيون البنيويون بالأبعاد الإنجازيّة للغة أي باللّغة بما هي فعل اجتماعي وإنشاء وتواصل
وتخاطب , وقد جاءت الأفكار التداوليّة في مدرسة أكسفورد
وعند إيميل بنفنيست [1] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn1) وسورل وعند سائر علماء اللغة الاجتماعيين وسائر المناهضين للبنيوية،لتؤسّس مجتمعة أهمّ مقوّمات المنهج التداولي الذي ينتقل فيه الاهتمام من المتكلّم والمخاطب إلى المتخاطب [2] (http://www.ahlalloghah.com/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn2) ، ومن الجملة المجرّدة إلى القول والخطاب بما هو حامل لخصائص المقام والتلفّظ ومن الإخبار إلى الإنشاء وإلى الضمني
والمسكوت عنه،وقد استند التداوليون أوّلا إلى التراث الأرسطي فأرجعوا إليه ما كان يتّسم به من انفتاح على البلاغة التداوليّة أي البلاغة التي لا تهتمّ بالعبارة والأسلوب فقط بل تهتمّ كذلك بخطط القول وبالمواضع والحجج والقياس الخطابي وغير ذلك من مستويات الخطاب في بعده التداولي الحيّ،وطبّق المنهج التداولي على أنواع كثيرة من النصوص الأدبيّة والفكريّة،ولكنّ نتائجه الإجرائية كانت أكثر ثراء حين طبّق على الأجناس الخطابيّة والمراسلات وعامّة الأنواع الحواريّة والشعر الاجتماعي ذي الصبغة الإقناعية والحكمية.
¥