ملتقي اهل اللغه (صفحة 2464)

وفعلا فإنّ باختين لم ينظر إلى اللغة الطبيعية نظرة ساكنة أو مثالية مغلقة،ولم ينظر إليها نظرة بنيوية، بل عدّها جزءا من تاريخ الثقافة فهي عنده قيمة حوارية تسكنها تجربة الإنسان وتقاليده الفكرية والثقافية.

وقد ميّز ميخائيل باختين كتابة النوع الديالوجي من النوع المونولوجي. أمّا النوع المونولوجي فهو الذي يسيطر فيه الكاتب على الشخصية القصصية فلا يفسح لها المجال كي تعبّر عن فكرتها، أي التي لا يترك لها الراوي ومن ورائه الكاتب أن تعبّر عن صوتها، فإذا أسند الكلمة إلى شخصية معلّم أو موظف أو سائق قطار .. ،أو أيّة شخصية اجتماعية أخرى لا يترك لها فرصة أن تتكلّم بلغة الثقافة التي تنتمي إليها بخصائص تفكير تلك الشخصية أو أن تستعمل معجم المهنة التي تمتهنها تلك الشخصية بل ينطقها بلغته. أمّا الأسلوب الديالوجي فهو بخلاف الأسلوب المونولوجي يحمل بنى لغوية خلافية وتضمّن فيه الملفوظات الكلمة الغيرية بالضرورة ويعبّر عن الدور التداولي الذي تضطلع به الشخصية في مجتمعها وضمن سائر الأصوات الاجتماعية، فالشخصية الديالوجية هي الصوت المعبّر عن الحوار الاجتماعي الحقيقي، ويكون كلام تلك الشخصية وأسلوبها في التفاعل الحواري منفتحا على نصوص أخرى (نصوص عالمة ونصوص اجتماعية غير عالمة) ويكون العالم الروائي في النوع الديالوجي نسيجا من صدى الأصوات المحيطة بالرواية.

4 - منهج الموضوعات: يختلف المنهج الموضوعات (التيماتيك) عن المنهج النفساني رغم ما بينهما من الصلات،يقول دانايل برجيز في تفسير صلة القرابة والتنافر بين المنهج الموضوعاتي والنقد النفساني:"وفي الحقيقة فإنّ نقاط الالتقاء بينهما مهمّة فهناك الاهتمام المميّز ذاته بالصور والرغبة ذاتها بتجاوز المعنى الظاهر للنصوص واعتماد القراءة العرضانية للأعمال الأدبيّة (أي قراءة العمل قراءة أفقيّة) وهي قراءة تسمح بعقد المقارنات وإظهار التشكيلات التصويريّة والترسيمات الغالبة .... لكنّ هاتين المقاربتين تتعارضان جذريّا في مسألة العلاقة بين الذات المبدعة وعملها الأدبي إذ يميل التحليل النفسي إلى اعتبار العمل الأدبي جملة معقّدة تحيل على وضع نفسي سابق وتلعب دورا تصعيديّا، فالفنّ عن طريق الإيهام يدفع بالرغبة المكبوتة إلى التعبير عن ذاتها،وعلى العكس من ذلك يرى باشلار (وهو رأس منهج الموضوعات) أنّه لا يجب ردّ الصورة إلى تكوّنها وربطها بما يسبقها بل التقاطها عند ولادتها ومعايشتها في صيرورتها " (نقد الموضوعات ضمن مدخل إلى مناهج النقد الأدبي لمجموعة من الكتّاب تعريب رضوان ظاظا سلسلة عالم المعرفة 221 ص 105)

ونلحظ من جهة أخرى أنّ كثيرا من الباحثين يخلطون بين دراسة الموضوعات والنقد الغرضي (الغرض قوة قولية ناظمة للموضوع)،يخلطون بين الدراسات التي تتناول الأدب في موضوعاته مثل الزمن عند الشعراء العرب في قبل الإسلام لعبد الإله صائغ (ط بغداد 1986) أو الإحساس بالزمان في الشعر العربي من الأصول حتّى نهاية القرن الثالث لعلي الغيضاوي (ط / كلية الآداب منوبة تونس 2001) والدراسات الغرضيّة وهي التي تحمل في عناوينها أسماء الأغراض كالمدح أو الهجاء أو الغزل أوالاعتذار أو نحوها من الأغراض الرئيسة أو الفرعيّة. يقول الباحث أحمد الجوّة:" إنّ النقد الأغراضي قد شهد مع قاستون باشلار تطوّرا ملحوظا لمّا أبان هذا الفيلسوف القنوات الأغراضيّة وأوضح أشكالها وتحوّلاتها وعقد صلتها بمتخيّل المؤلّف " ثمّ أضاف " ومع أنّ الغرض في أجناس الأدب يبدو أمرا واضحا فإنّ السمة متعدّدة الأشكال للأغراض تمثّل سبب التباس مصطلحي إذا اعتبرنا علم الأغراض علما مازال حديث العهد واعتبرنا تطوّره مساعدا على إثارة العلاقة بين اللون والغرض والموضوع المشترك (من الإنشائية إلى الدراسة الأجناسية منشورات كلية الآداب صفاقس تونس 2007) ولئن استشهد الباحث بدراسة محمّد هشام الريفي عن الغرض وهي من الدراسات المهمّة في التمييز بين الغرض والموضوع فإنّه سار على خطاه في الخلط بين الغرض والجنس الأدبي. وإنّنا نذهب إلى أنّ فهم أصول الدراسة الغرضيّة على تواضع الحاصل المعرفي في مجالها لا يمكن أن تستوي دون الربط المحكم بين هذا المنهج وسائر الدراسات النفسانيّة (انظر فصل غرض في معجم

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015