أما موضع التأمل في الآية الثالثة فهذه النهاية التي انتهى إليها أصحاب الفيل وقائدهم الذي امتطى الفيل، وكان من هوان هذا المغرور الأحمق وأصحابه على الله أن سلط عليهم خلقا ضعيفا من خلقه لا يساوي شيئا يذكر إذا قيس في نظر العين بحجم الفيل، فأرسلها عليهم جماعات من الطير تحمل في أرجلها حصيات صغيرة من سجيل ترميهم بها فتجعلهم كعصف مأكول، وهل يصير العصف المأكول إلا رمادا تذروه الرياح؟!
والآن تعالي - أختي العزيزة - أحدثك بما في هذه الصيغة من كلمات بعد أن حدثتك عن معنى همزة الاستفهام فيها:
(تر) فعل مضارع مجزوم بـ (لم) وعلامة جزمه حذف الألف، والفاعل ضمير المخاطب المستتر.
والخطاب هنا عام شامل للرسول صلى الله عليه وسلم ولغيره ممن يصلح للخطاب.
و (تر) بمعنى تعلم؛ فهو ينصب مفعولين.
و (كيف) اسم استفهام قد علق (تر) عن العمل في مفعوليه، وتعرب (كيف) في الآية الأولى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً ..} مبنية على الفتح في محل نصب على الحال من (مثلا)، أما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}، وفي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} فقد اختار ابن هشام في المغني [vii] (http://www.ahlalloghah.com/#_edn7)[7] أن تعرب مفعولا مطلقا؛ إذ المعنى أيّ فِعل فَعل ربك، ولا يتجه فيه أن يكون حالا من الفاعل لأنه يقتضي أن الفاعل - وهو الرب متصف - بالكيفيات والأحوال [viii] (http://www.ahlalloghah.com/#_edn8)[8].
و (كيف) وما دخلت عليه - في الآيات الثلاث - في محل نصب سدت مسد مفعولي (تر).
لم يبق في هذه الرسالة إلا أن أحدثك عن الصيغة الرابعة من هذه الصيغ التي أدخل فيها على (لم) النافية الجازمة لمضارع (رأى)، وهذه الصيغة هي: (ألم يروا إلى)؛ فاسأل الله تعالى أن يكون فيك بقية من نشاط تعين على قراءة هذه البقية من هذه الرسالة.
لقد وردت هذه الصيغة في خمس آيات من آيات القرآن الكريم:
الآية الأولى قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} الآية 48 من سورة النحل.
الآية الثانية قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} الآية 79 من سورة النحل.
الآية الثالثة قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} الآيتان 7، 8 من سورة الشعراء.
الآية الرابعة قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} الآية 9 من سورة سبأ.
الآية الخامسة قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} الآية 19 من سورة الملك.
هذه هي الآيات الخمس التي وردت فيها هذه الصيغة الاستفهامية (ألم يروا إلى).
ومتعلق الرؤية في الآية الأولى ما خلقه الله من شيء تنتقل ظلاله شيئا فشيئا من جانب إلى جانب صباح مساء، ويسجد لله في ذلة وخضوع لا يستكبر.
ومتعلق الرؤية في الآية الثانية والخامسة هذه الطير المسخرات في جو السماء باسطات أجنحتهن حينا قابضاتهن حينا؛ لا يمسكهن عن السقوط على الأرض إلا الله سبحانه وتعالى.
ومتعلق الرؤية في الآية الثالثة هذه الأرض وما أنبت الله فيها من أشجار كثيرة لا تعد، وثمار طيبة شتى لا تحصى، ومن حدائق ذات بهجة مبثوثة في كل مكان.
ومتعلق الرؤية في الآية الرابعة هذه السماء والأرض تحيطان بالناس من كل جهة، إن يشأ الله يخسف بهم الأرض أو يسقط عليهم قطعا من السماء.
¥