ملتقي اهل اللغه (صفحة 2375)

بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الآيتان 10، 11 من سورة الصف). وكما في قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} (الآيات من 1 - 15 من سورة الغاشية) وكما في قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ. إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} (الآيات من 27 إلى 37 من سورة الذاريات).

ففي هذه الآيات جاء الاستفهام التشويقي في جملة تامة مستقلة، ثم جاء المشوق إليه بعد ذلك في جملة أو في جمل أخرى.

والذي اخترته من آراء العلماء في معنى الاستفهام في هذه الآية الكريمة أن يكون للتعجب وللتعجيب، وليس بين التعجب والتعجيب منافاة ولا تعارض، فالتعجب منظور فيه إلى القائل جل جلاله، والتعجيب منظور فيه إلى المخاطب.

ومن الناس من ينكر أن يكون الاستفهام هنا للتعجب ويقول إن الله سبحانه وتعالى لا يعجب من شيء، وهو يظن أن تعجبه سبحانه وتعالى سيكون كتعجب خلقه، ولا أدري من أين جاءه هذا الظن والله سبحانه وتعالى يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، وتعجب الله تعجب يليق بكماله وجلاله، ولا يمكن أن يكون بينه وبين تعجب غيره مشابهة ما أو مماثلة.

على أن تعجب الله سبحانه وتعالى ثابت في القرآن الكريم وثابت في السنة المطهرة:

ففي القرآن الكريم يقول الله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} قرأ حمزة والكسائي {عجبتُ} بضم التاء، ورويت هذه القراءة أيضاً عن عبد الله بن مسعود وغيره. وظاهر أن المتعجب هو الله سبحانه وتعالى.

وفي السنة المطهرة روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عجب ربنا من قنوط عباده وقرب خيره ينظر إليكم أزلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب" حديث حسن (14).

أما الرأي القائل إن الاستفهام في {أَلَمْ تَرَ ...} للتنبيه بالمعنى الذي تقدم عن الزركشي وهو "انظر بفكرك في هذا الأمر وتنبه" فحق فيما أراه وصواب. والتنبيه بهذا المعنى يستدعيه التعجيب ويقتضيه، لأن التعجيب يقوم على أحد أمرين:

إما على الاستحسان والاستعظام والإجلال كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً} الآية (45) الفرقان.

وإما على الإنكار والاستهجان والاستغراب كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} الآية (60 - النساء) والحال في كلا الأمرين ببعث على التنبيه بمعنى التأمل والتبصر والاعتبار وهو ما دعا إليه القران الكريم في كثير من آياته.

لقد دخلت على (لم) النافية الجازمة للفعل المضارع (تر) وعلامة جزم هذا الفعل حذف الألف من آخره ولعلك لم تسمعي من قبل أن هذا الفعل قد قرئ بسكون الراء على توهم أن الراء آخر الكلمة أو على إجراء الوصل مجرى الوقف (15). و (تر) فعل مضارع مسند إلى ضمير المخاطب، ولكن من يكون هذا المخاطب؟ من المفسرين من يقول إنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يجوز أن يكون الخطاب له عليه الصلاة والسلام ولكل أحد، ويقول التفتازاني: الأوجه عموم الخطاب للدلالة على أن هذه القصة قد بلغت من العجب حيث ينبغي لكل أحد أن يتعجب منها (16).

و (تر) في هذا الاستفهام علمية تتعدى إلى مفعولين ولكنها هنا لم تأخذ مفعوليها، وعديت بحرف الجر (إلى) لأنها ضمنت معنى ما يتعدى بهذا الحرف، والمعنى ألم ينته علمك إلى الذين ... (17).

ومن العلماء من يقول إن (تر) هنا- وإن كانت علمية- قد استعملت استعمال (تنظر) فتعدت تعديتها للإشارة إلى أن هذا الأمر قد بلغ من الوضوح والظهور والتحقق مبلغ الشيء

المحسوس المشاهد الذي تبصره العينان ولا يمكن إنكاره (18).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015