ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[05 - 05 - 2014, 02:03 م]ـ
دور الأهمية المعنوية في البلاغة العربية
يتحدث الإنسان تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس كما الأمثلة التالية:
(1)
مراعاة النظير
قال تعالى "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير".
الفاصلة القراّنية تتناسب معنويا مع محتوى الاّية القراّنية، وقد ختم الله سبحانه وتعالى الاّية بذكر اسمين من أسمائه الحسنى وهما: اللطيف والخبير، وقد فُسرت كلمة "اللطيف"بتفسيرات منها: الرفيق بعباده وموفقهم وعاصمهم، وقيل: من يدرك الأسرار بلطف ويسر، وعدم الإحاطة بكنهه وحقيقته ...... إلخ.
وفي رأيي أن المعنى المناسب لها هو: الخفاء، وعدم القدرة على الإحاطة والوصول إلى كنهه وحقيقته، وهذا المعنى يتناسب مع قوله تعالى"لا تدركه الأبصار"وقد ذكر بعده "الخبير" ومعناه: الذي أحاط بالأشياء ظاهرها وباطنها، كما تقدم الاسم الأول (اللطيف) ليتناسب معنويا مع الصفة الأولى بحسب منزلة المعنى، وذكر (الخبير) بعده ليتناسب مع الصفة الثانية"وهو يدرك الأبصار"،فالله سبحانه وتعالى يعقد مقارنة بينه وبين غيره من المخلوقات أو بني البشر، خاصة أن هذه الاّية تأتي بعد أن اختلق اليهود والنصارى البنين والبنات لله تعالى. أما تفسير اللطيف بالرفيق فلا يتناسب مع هذا السياق اللغوي المعنوي.
(2)
دور الاحتياج المعنوي في القصر
القصر: تخصيص أمر باّخر بطريق مخصوص، ويقوم القصر على منزلة المعنى وأهميته، بغض النظر عن طريقة القصر، فعندما نقول: ما شوقي إلا شاعر، فإننا ننفي عن شوقي كل شيء إلا قول الشعر، وبهذا نقصرالموصوف على الصفة، أو المبتدأ على الخبر فإن أردنا أن نقصر قول الشعر على شوقي، فإننا نقول: ما شاعر إلا شوقي، وبهذا نقصر الصفة على الموصوف، أو الخبر على المبتدأ، ويمكن أن نلاحظ الحركة التبادلية بين موقعي الصفة والموصوف، حيث يتقدم الموصوف أو الصفة بمنزلة المعنى نحو حرف النفي، ويتأخر الاّخر بمنزلة المعنى إلى ما بعد (إلا) من أجل أن تترتب الكلمات بحسب الحاجة وقوة العلاقة المعنوية فيما بينها، حيث ننفي كل شيء عن المقصور ونثبت له ما بعد (إلا) المقصور عليه، وتخصيص ما قبل إلا بما بعد إلا ..
وعندما نقول: ما يخشى المجرمُ إلا الحراسَ، فإننا نقصر خشية المجرم على الحراس، وإن قلنا: ما يخشى الحراسَ إلا المجرمُ، فإننا نقصر خشية الحراس على المجرم، وفرق بين المعنيين، وفي المرة الأولى قصرنا الفعل على الفاعل، وفي الثانية قصرنا الفعل على المفعول، وفي الحالتين يتقدم المقصور نحو الفعل بمنزلة المعنى ويتأخر المقصور عليه، وقد ترتبت الكلمات بحسب قوة العلاقة المعنوية.
وعندما نقول: محمد مجتهد لا كسول، فإننا نثبت لمحمد صفة الاجتهاد وننفي الكسل، وإن عكسنا وقلنا: محمد كسول لا مجتهد، فنكون قد أثبتنا صفة الكسل ونفينا الاجتهاد. وكذلك، عندما نقول: ما محمد مجتهد بل كسول، فإننا ننفي الاجتهادعن محمدونثبت صفة الكسل، وإن عكسنا وقلنا: ما محمد كسول بل مجتهد، كان المعنى بعكس الأولى. ومثل ذلك: ما محمد مجتهد لكن كسول، وما محمد كسول لكن مجتهد، والاختلاف في المعنى نابع من منزلة المعنى بين الكلمات، وعندما نقول: إياك نعبد، فإننا نقصر العبادة على الله وحده عن طريق تقديم ما حقه التأخير حيث يتقدم المتأخر بمنزلة المعنى، من أجل الغرض البلاغي.
فاللغة تقوم على الاحتياج المعنوي، والكلام يترتب ترتيب المعاني في النفس تحت رعاية الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس.
(3)
الالتفات عدول عن أصل الاختيار بالضابط المعنوي
يتحدث الإنسان بحسب الاحتياج المعنوي وعلامات أمن اللبس، وتقوم اللغة على الاحتياج المعنوي على المحورين الرأسي والأفقي، والالتفات عدول عن أصل الاختيار والاحتياج المعنوي بالضابط المعنوي، فالمتكلم يتكلم بحسب الحاجة المعنوية في الأصل وفي العدول عن الأصل على المحورين الرأسي والأفقي.
والالتفات هو: التعبير عن معنى من المعانى بطريق من الطرق الثلاثة: التكلم والخطاب والغيبة بعد التعبير عنه بطريق آخر منها.
¥