ـ[عزام محمد ذيب الشريدة]ــــــــ[20 - 05 - 2014, 01:30 م]ـ
من متشابهات القرآن الكريم
تقوم اللغة على الاحتياج المعنوي، ويتحدث الإنسان تحت رعاية الاحتياج المعنوي غالبا واللفظي نادرا مع علامات أمن اللبس، كما في هذه الآيات، حيث يحصل التغيير على محور الاختيار نتيجة تغيرالسياق اللغوي المعنوي السابق، مما يؤدي إلى اختلاف الاحتياج المعنوي بين أجزاء التراكيب:
قال تعالى:"قد فصَّلنا الآيات لقوم يعلمون" (الأنعام 97)
وقال تعالى:"قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون" (الأنعام 98)
للسائل أن يسأل فيقول: ما الذي أوجب في اختيار الكلام أن يقال في الآية الأولى: قد فصلناالآيات لقوم يعلمون، وفي الثانية لقوم يفقهون؟ وهل صلح بعض ذلك مكان بعض أم في كل موضع معنى يخص اللفظ الذي جاء عليه؟
فالجواب أن يقال إن قوله "قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون"جاء بعد آيات نبَّهت على معرفة الله تعالى وهي من قوله: إن الله فالق الحب والنوى" إلى قوله "وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر "،فكان جميع ذلك دالا على العلم بالله وبوحدانيته وهو أشرف معلوم، ولا لفظ من ألفاظ: ويعقلون، ويفقهون، ويشعرون، إلا ولفظ يعلمون أعلى منه، ولذلك صحَّت في الخبر عن الله تعالى ولم يصح فيه غيرها من الألفاظ التي ذكرت، فلما كان المعلوم أشرف المعلومات عبَّر عن الآيات التي نصبت للدلالة عليه باللفظ الأشرف.
وأما ما استعمل فيه "يفقهون"فهو بعد قوله: وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع، فأخبرعن ابتدائه الإنسان وإنشائه إياه، ونبه بما أراه من تنقله من حال إلى حال، من عدم إلى وجود، ومن مكان إلى مكان، من صلب إلى رحم، ومن بطن أم إلى وجه الأرض، ومن وجه الأرض إلى بطنها، على أنه كما نقل من موت إلى حياة ومن حياة إلى موت، كذلك ينقل من الموت إلى الحياة ومن القبر إلى المحشر ومنه إلى إحدى الدارين، لأن الاستيداع في الدنيا والمستقر في العقبى، فنطقت تلك الأحوال الحادثة لمن يفهمها ويفطن لها ويستدل بشاهدها على مغيَّبها أن بعد الموت بعثا وحشرأوثوابا وعقابا، وهذا مما يفطن له، فيفقهون أولى به. (1)
====================================
(1) الخطيب الإسكافي-درة التنزيل وغرة التأويل-ص 68 بتصرف