ملتقي اهل اللغه (صفحة 2329)

7 - تعليل فرضية هذا الحكم (كما كُتب على الذين من قبلكم) وفيه أن الأحكام معللة، وفيه التسهيل على النفوس للامتثال فإنكم مسبوقون إليه، وفيه أن شرع من قبلنا إذا أقره شرعُنا وجب التسليم له والانقياد، وفيه مشروعية القياس.

8 - بيان سبب فرض الصيام على المؤمنين وهو حصول التقوى ?لعلكم تتقون? وهذه من أعظم ثمراته.

9 - بلاغة التعبير عن المقدار الواجب صومه: ?أياما معدودات? فلم يقل: شهراً أو ثلاثين يوماً أو تسعة وعشرين؛ دفعا لاستثقال هذا العدد، وإنما قال: أياما؛ تسهيلا على النفوس وبيان أنها معدودة معروفة عند الناس.

10ـ ذهب العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله في تفسيره [التحرير والتنوير: 2/ 159] إلى أنه إنما عبر عن رمضان بأيام؛ لأنها جمع قلة ووصفها بمعدودات وهي جمع قلةٍ أيضاً؛ تهويناً لأمره على المكلفين فقال: "وإنما عبر عن رمضان بأيام وهي جمع قلة ووصف بمعدودات وهي جمع قلة أيضا؛ تهوينا لأمره على المكلفين، والمعدودات كناية عن القلة؛ لأن الشيء القليل يعد عدا؛ ولذلك يقولون: الكثير لا يعد، ولأجل هذا اختير في وصف الجمع مجيئه في التأنيث على طريقة الجمع بألف وتاء" انتهى كلامه.

وقد يُسلّم له بادىء الأمر بهذا التوجيه؛ ولكن بعد التأمل تبيّن أنه لا يُعرف في لغة العرب أن اليوم يُجمع على غير أيام فليس له جمع كثرةٍ لكي يُجتنب ويُختار جمع القلة بدلاً عنه!

وأما أن الوصف في قوله: (معدودات) بألف وتاء هو جمع قلة أيضاً فنعم هذا اختيار سيبويه في [الكتاب:3/ 609] فإنه قال: "وإذا أردت ما هو أدنى العدد جمعت بالتاء تقول" خبراواتٌ وصحراواتٌ ... " انتهى.

ورجّحه شيخنا الدكتور عبدالمحسن العسكر ـ حفظه الله ـ فقال في كتابه [بدائع المعاني ص22]: "وجمع المؤنث السالم من جموع القلة"انتهى.

وفي هذا يقول الناظم:

بأفعلٍ وبأفعالٍ وأفعلةٍ ... وفعلةٍ يُعرفُ الأدنى من العددِ

وسالمُ الجمعِ في النوعين يتبعها ... في ذلك الحكم فاحفظها ولا تزدِ.

فالجمع السالم بالألف والتاء يتبع جموع القلة على الصحيح؛ فكان من بلاغة الآية اختيار هذا الوصف (معدودات) ولم يقل: (معدودة) مع جواز الوجهين، وبهما جاءت الآيات في القرآن؛ هذا بعض ما ظهر لي وتيسر إيراده، والله تعالى أعلم.

1/ 9 / 1435 هـ‍.

ـ[جبران سحّاري]ــــــــ[21 - 07 - 2014, 12:42 ص]ـ

قال تعالى: ? فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ... ? [سورة البقرة: 184].

فيها من البلاغة:

1ـ بلاغة العطف بالفاء (فمن) للتفريع على حكم سابق وهو فرض الصيام.

2ـ بلاغة الشرط (فمَن) فإن اسم الشرط (مَن) يفيد العموم.

3ـ بلاغة التعبير بالفعل الناسخ (كان) فإنه يفيد ثبوت الخبر للاسم في الزمن الماضي، وقد يفيد الاستمرار حسب القرينة.

4ـ التنصيص على المخاطبين (منكم) وهو لهم ولغيرهم من المسلمين، ولكن جرى الخطاب مجرى الرفق بهم.

5ـ شمول العذر لجميع المكلفين (مريضاً أو على سفر) فإن مسوغات الفطر لا تكاد تخرج عن هذين النوعين أو ما أُلحق بهما.

6ـ حسن تصوير العذر الثاني (على سفر) ولم يقل: مسافراً؛ لدفع توهم إطلاق المسافر على الآيب من سفره باعتبار ما كان على عادة العرب في ذلك؛ فأكّد ذلك بما يفيد الاستمرار (على سفر) وليشمل حال المسافر من السير والنزول مع بقاء مشقة الترحل.

7ـ بلاغة الحذف وهو الفعل المقدر (فأفطر) وطواه للعلم به، والحذف من أساليب البلاغة العُليا إذا كان المحذوف معلوماً.

8ـ بلاغة جملة جواب الشرط (فعدة من أيام أُخَر) فإنه فتح له باب القضاء بذكر أيام أخر وأنها عدة؛ تيسيراً عليه لقضائها في أي وقت، ولكي تطيب نفسُه بقبول رخصة الله له بالفطر.

9ـ مجيء جملة جواب الشرط خبراً بمعنى الأمر؛ أي: (فعليه عدة من أيام أخر) وجوباً؛ كقوله تعالى: (فاتباعٌ بالمعروف).

10ـ بلاغة التفصيل مع الإيجاز بالحذف في قوله: (وعلى الذين يُطيقونه فدية طعام مسكين) أي: على من كان يُطيق الصيام فلم يصم فدية مع تفضيله الصوم في هذه الحال قبل نسخ الآية بما بعدها على أصح أقوال المفسرين رحمهم الله.

11ـ بلاغة الحذف في الآية على القول بعدم نسخها، والتقدير: (وعلى الذين لا يطيقونه) وحُذف النفي للعلم به، ولدلالة ما بعده (ففدية طعام مسكين).

12ـ بلاغة التعبير بالإطاقة لدلالتها على التكليف في قراءة ابن عباس رضي الله عنهما: (يُطوّقونه) الثابتة في صحيح البخاري وغيره أي: يُكلّفون صيامه وهم لا يطيقونه إلا بصعوبة ومشقة.

13ـ بلاغة وصف الفدية (طعام مسكين) والمعنى: إطعام مسكين عن كل يوم أفطره، وإنما لم يقل: مساكين؛ تسهيلاً على النفس مبدأ التكليف، وطوى تفصيل الحساب تاركاً ذلك للمكلف.

14ـ بلاغة التفريع على الحكم مرةً أخرى (فمن تطوّع خيراً فهو خيرٌ له) أي: تطوّع بالصيام قبل فرضه ابتغاءَ الخير فقد نال هذه الخيرية (فهو خيرٌ له).

15ـ تأكيد أهمية الصيام وعظيم هذه الخيرية وتفضيلها على غيرها بقوله: (وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون).

هذا بعض ما ظهر وتيسر، والله تعالى أعلم.

2/ 9 / 1435هـ.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015